مقالات

أنا وابن عمي على الغريب

بقلم إبراهيم الزبيدي

نا وابن عمي على الغريبنذكّر من نسي أو من لا يعرف بأن الصراع العسكري المدمّر بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية للسيطرة على بلاد شرق الأناضول والقوقاز وبلاد ما بين النهرين دام قرونا ولم يتوقف.عدوانا خارجيأما أولاد العم فهم الإيرانيون والأتراك، وأما الغريب فهو المواطن الكردي العراقي، وأما التهديد والوعيد وهدير القنابل الطيارة والمدافع السيارة التي تركت في ورقة السيادة الوطنية العراقية، والكردستانية، ثقوباً يصعب رتقها فهي على الضيوف الكرد (الأشقاء) غير الأعزاء المتسللين من تركيا وإيران لمقاتلة جيوش الدولتين الكبيرتين وتركيعهما وإجبارهما على منح كردستانهما الحرية والاستقلال، وأما الثمن فهو دمُ الكرد العراقيين، ودمار مدنهم وقراهم، وحرق مزارعهم، وحرمانُهم من الأمن والطمأنينة وكرامة الإنسان.فعلى طول الحدود الدولية العراقية – التركية ترى الجيوش التركية، منذ سنوات، وهي داخلة خارجة بلا حساب ولا كتاب، ولها معسكرات دائمة داخل أراضي الدولة العراقية، وأخرى متنقلة، وهدير طائراتها ونيران مدافعها لا تهدأ ولا تنام.أما على الحدود العراقية – الإيرانية، من جهة الشرق، فلجيوش الولي الفقيه غارات وثارات من حين إلى حين.ودعا الحرس الثوري المواطنين في كُردستان العراق إلى الابتعاد عن مواقع الإرهابيين (المقاتلين الكرد الإيرانيين) من حزب الحياة الحرة (بيجاك) الذين يتخذون من الكرد العراقيين دروعاً بشرية ظنا منهم بأنها سوف تحميهم من صواريخ دولة الولي الفقيه ومسيَّراتها التي لن ترحم منهم أحداً قط.فقد هدد العميد محمد باكبور خلال تفقده الوحدات والمخافر الحدودية مع الإقليم، قائلا “سوف نستهدف الإرهابيين إذا لزم الأمر”. وذكّر الكرد العراقيين بـ”استغلال الزمر الإرهابية المسلحة لإقليم كُردستان العراق لزعزعة الأمن في المناطق الحدودية الإيرانية”، مؤكدًا أنه “لا يمكن تحمّل هذا الوضع، وسيتم الرد على الإرهابيين”. كما طالب الحكومتين في بغداد وأربيل “بمنع استغلال أراضيهما ضد إيران”.ونذكّر هنا من نسي أو من لا يعرف بأن الصراع العسكري المدمّر بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية للسيطرة على بلاد شرق الأناضول والقوقاز وبلاد ما بين النهرين دام قرونا ولم يتوقف.ومن نكد الدنيا علينا، نحن أبناء أهل بلاد ما بين النهرين، أننا وجدنا أنفسنا مادةً لذلك الصراع وساحةً له وأدوات. يحتلنا العثمانيون تارة، ويحتلّنا الإيرانيون تارة أخرى.ولكن كان هناك شيءٌ واحد ميّز العلاقة بين هاتين الدولتين، هو أنهما تنسيان خلافاتهما وتتهادنان وتتراضيان وتتفاهمان حين تشعران بخطر ثالثٍ داهِمٍ قد يتسبّب لهما في وجع رأس.وتتذكرون، ولا ريب، كيف توحدت الدولتان واتّفقتا على مواجهة الاستفتاء الذي أجريَ في كردستان العراق في الخامس والعشرين من سبتمبر 2017، خوفا من أن يصحو عصب الحس القومي الكردي لدى الملايين من أكرادهما، وأن عليهما أن تتفقا وتتفاهما وتتحالفا على خنقه، قبل أن يولد ويكبر وتصبح له أظافر وأنياب، وقبل فوات الأوان.والدليل على وحدة “الجهاد” القومي الذي تخوضه الدولتان معا ضد عدو مشترك فهو أن الجيوش التركية شنت غزوات حربية، أكثر من مرة، في مناطق شمال السليمانية، لم تستهدف مقاتلي حزب العمال الكردستاني (الأتراك)، بل كان هدفها مقاتلين كردا آخرين (إيرانيين) من حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) نيابة عن (شقيقتها) إيران، وقتلت بعضا منهم، وعادت إلى قواعدها الثابتة على الأراضي العراقية سالمة.المسألة التي تبرزها هذه العمليات داخل الأراضي العراقية هي أنها، بكل الحسابات والمقاييس والقوانين والشرائع، تشكل عدوانا خارجيا على دولة ذات سيادة، وترويعا لمواطنيها، وقطعاً لأرزاق الكثيرين منهم، وخراباً لبيوتهم، ومن حقهم الذي كفلته الشرائع السماوية والدولية، بعد ذلك، أن يحملوا السلاح لمقاتلة المعتدين دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة والأمن والأمان.ولكن هل يَفعل ذلك، أو هل يَسمح بذلك (رفاقنا) السياسيون الكرد قادةُ الحزبين، وهم مقسَّمون في الولاء بين أحضان الولي الفقيه وأحضان الخليفة أردوغان؟وأيا كانت الأعذار فإن على حكومة أربيل وحكومة السليمانية أن تحميا موطنيهما بإجراءات حازمة حاسمة لا تطرد اللاجئين الهاربين من ظلم الحكومتين التركية والإيرانية بل تمنعهم من قيامهم باستفزاز جيوش الدولتين الكبيرتين، والإضرار بأشقائهم الذين استقبلوهم ووفروا لهم الملاذ الآمن والكريم.فليس من العقلانية ولا من أصول الضيافة أن تسمح سلطات الحزبين بوجود الأسباب التي تتذرع بها الدولتان لشن حملات القتل والحرق والخنق التي لا تنتهي.وبالتزامن مع هذه التشابكات الدامية في كردستان العراق نجد أن أحبة إيران وأحبة تركيا في بغداد صامتون صمت القبور.فهم لا يبكون على السيادة الوطنية إلا في حالة واحدة، إذا ما أوحي لهم من وراء الحدود بأن ينفروا خفافا وثقالا دفاعا عن تلك السيادة حين يتعلق الأمر فقط بطرف ثالث غير مرغوب فيه، حتى لو كان وجوده مشروعاً وبموجب اتفاقيات وقعتها معه حكومة المنطقة الخضراء عندما كانت مصالحها تقتضي أن تفرط بتلك السيادة، وأن تسمح لمن هب ودب بانتهاكها، ولله في خلقه شؤون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى