مقالات

البغض داء عصي مستعص

البغض داء عصي مستعص – علي الشكري

ليس اسوء صفة من البغض ، فالباغض حقود كاره ناكر مدمر مهشم ، لا يقف امام استبداد نفسه المريضة وعقله المبتلى وتفكيره الموجه الا مصلحته الشخصية وربما دائرته الاسرية الضيقة ، بل كثير ما تمتد اثار شره الى اسرته بل ونفسه ، فالبغض شر وضر وابتلاء ودمار ، وليس السوء كله في بغض الغير ، لكن الابتلاء كله في كره الوطن .

رحل النظام السابق الذي جاء على العراق بالويلات ، لكن بعض إملاءاته كانت صائبة مسددة ، من بينها الزام المدارس بمراحلها كافة على تخصيص وقت مستقطع قبل الشروع بالدرس للتوجيهات والارشادات التربوية والوطنية ، وإفراد يوم الخميس بمراسم رفع الراية وقراءة النشيد الوطني وتلقين التوجيهات المركزية ، وليس لطالب أو استاذ التنصل عن هذا الالتزام والا فالعصا لمن عصا ، وكثيراً ما تساءل البعض وتضجور الاخر وسفّه ثالث هذا التقليد ، حتى برره البعض بأنه وسيلة للاشغال أو تفريط بالوقت أو آلية لفرض الافكار وتمرير الاجندات أو التبعيث الاجباري .

وبصرف النظر عن التثقيف الحزبي والاقناع السياسي ، فإن هذا التقليد كان وسيلة لتعزيز الروح الوطنية والتشبث بالارض والارتباط بالوطن ، فالتذكير اليومي ينشط العقل الباطن ويوثق الرابط ويعزز التعلق ويحفز انزيم الوطنية ، نعم للوطنية انزيم مثلما للخيانة انزيمات ، وانزيم الوطنية مستهدف غالباً بلحاظ أن ليس من الاوطان غير المستهدف ، غنيها وفقيرها ، قويها وضعيفها ، المتطور منها والمتخلف ، المتدخل والمحايد ، القاصي والداني ، فالاستهداف ملازم للاوطان حيث هي حية قائمة .

استهداف متعددلقد تعرض العراق المعاصر ومنذ عهد استقلاله الاول للاستهداف المتعدد، مرة أجنبي غربي منبعه المحتل المغادر قسراً ، وآخر مصدره عروبي حاسد لما في العراق من نِعم تؤهله التصدر والتسيد ، وثالث اقليمي يرى في العراق المعافى قيد على احلامه وتمدداته وتوغلاته ، بل يرى في قوته قتل لمخططاته التاريخية التي رسم لها الأولون وهيأ لها الراحلون وشرع بتنفيذها القائمون ، لاعتقادهم أن مخطط اسقاط العراق حان قطافه ، بعد أن راح المواطن يهاجم الوطن من حيث يعلم ولا يعلم ، لقد مَنَ الله على العراق هذا العام بنعمة المطر ، الذي شح في السنوات القليل السابقة حتى راح الشعب مهدد بالعطش بعد أن عطشت الارض حتى جدبت ، واللافت أن النكران لنعمة الخالق كانت بديل الشكران المتوقع ، إذ راحت التعليقات المنكرة تتوالى تترا ، والاستهزاءات تتابع على شبكات التواصل ، والتضخيمات الباغضة ملأت الفضائيات المغرضة ، التي راحت تصور العراق مستنقع غارق في وحل النفايات التي حركتها مياه الأمطار . لقد دق ناقوس خطر سقوط العراق واقعاً حينما راح العقل الباطن للمواطن مغيب خاضع للاجندات الوافدة ، وكلماته مستهدفة للوطن وإن قصد بها ظاهرا المنظومة السياسية ، وافعاله تهد في بناءاته التي تسير على هون مذ زال الراحل ومنظومته الهدامة ، فالمتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي يرى سرور شعوب غرقت اوطانها ، وتهدمت بعض بيوتاتها ، وتراكم كثير مركباتها ، حتى ظن البعض انها مقبرة نفايات ، ودون شك أن المائز بين من هاجم وشكر ، منسوب الوطنية والتشبث بالارض والتعلق بالوطن ، فالمطر غيث ونعمة وكرم عند من رضا واخلص وتثبت ، وغضب وعذاب وعقاب عند من أبغض وحقد وكره .روح المواطنةما احوجنا اليوم لاحياء روح المواطنة والتشبث بالارض والتعلق بالتراب واستذكار الحاضرات واستحضار التاريخ ، فوطن لا تتجاوز مساحتة محافظة عراقية ينظم مسابقة كروية هي الاكبر والاشهر والاقدم ، وينجح فيها حتى ملأت شهرته العالم وشغلت المنتديات ، لا بفعل ما يملك من ثروة دون شك ، ولكن لالتفاف الشعب حول القيادة ، وتظافر جهود مواطن وسلطة ، واستنهاض حاضر وقائم ، وبلد بسعة حدود العراق وعمق تاريخه وعدد شعبه وتنوع حاضراته وحجم ثروته لا يزال الشك يدور حول قدرته على احتضان مسابقة كروية ودية عروبية محدودة ، وبالتأكيد أن التشكيك كله لا جله ليس في القدرة المعرفية ولا بالمكنة التنظيمية ولا بالحاضنات المادية ، ولكن بالتأييدات الشعبية والالتفافات الوطنية ، إذ راحت الماكنات الاعلامية تهاجم ، والتعليقات الفيسبوكية تحرض والاحقاد الشخصية تحرك ، ودون شك أن ذلك كله ماكان له أن يكون لو تعلق المواطن باستار الوطن وتشبث الشعب بأرضه والتف الفرد حول رايته ، فكل استهداف قابل للتجاوز الا استهداف الوطن ، والا فهل من المنطق أن يصل الاستهداف حد الايحاء للمواطن برفع علم بولندا محل علم ايطاليا في مراسم استقبال رئيسة الوزراء الايطالية للعراق وهي الاولى لها خارج أوروبا؟ !! أم أن الحسد الخارجي والبغض الداخلي كان محرك ذلك ، وإذا كان الاستهداف الخارجي مفهوم مبرر ، فليس للاستهداف الداخلي ما يبرره شرعاً وقانوناً وعرفاً ، فحب الوطن من الايمان ، مثلما بغضه من الشيطان ، والعاقبة للوطن وإن استهدفه بعض من أدعى الانتماء إليه ظلماً وزوراً وعدواناً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى