مقالات

العراقيون والتطبيع مع إسرائيل

بقلم د. ماجد السامرائي

العراقيون والتطبيع مع إسرائي لمقولة التطبيع مع إسرائيل في السنوات والأشهر القليلة الماضية أصبحت ذات مدلول سياسي وإعلامي كواحدة من مفردات الصراعات والتنافس بين أحزاب الحكم الطائفية في العراق ومواسم التجديد لهاحضور بروتوكولي يهم الحكومات لا الشعوبالصدمة الإعلامية التي أحدثها ما سمّي بمؤتمر “السلام والاسترداد” في أربيل عاصمة كردستان لا تعود إلى أصل فكرة الدعوة الاستفزازية لمشاعر العراقيين فحسب، إنما لطبيعة المشاركين في هذا التجمع اليائس من هوامش وحثالات واستخدامهم الرخيص لمظلومية العرب السنة واللعب على معاناتهم من ظلم وتهميش الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة، بما وضعهم في دائرة التشبث بأي قشة تنقذهم من الظلم والاستبداد منذ مجيء الاحتلال الأميركي مرورا بسياسات القتل والتجويع لهذه الطبقة السياسية الماكرة والفاسدة، لكن أبناء العراق من العرب السنة يتبرّأون من هذه الدعوات الرخيصة متمسكين بمبادئهم العروبية.رغم المسيرة التاريخية المؤلمة للقضية الفلسطينية ودور العرب المُذل وانقسام أهلها حول مفرداتها في الوصول إلى ما أصبحت عليه من كارثة منسية، ظل لفلسطين في ضمير شعب العراق مكانة تاريخية في الدفاع عن حقوق شعبها في العودة وحق تقرير المصير وفق القرارات الأممية، هذه الحساسية القومية جعلت أبناء العراق رافضين لدعوات التطبيع المُبكر التي سادت منذ زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في التاسع عشر من نوفمبر 1977.هناك مسألة مهمة أخرى من المفيد الإشارة إليها هي أن التطبيع كمفردة سياسية بروتوكولية تتعلق بالحكومات وليس بالشعوب ونخبها السياسية والثقافية، خاصة لدى بلدان العرب التي لم تدخل مباشرة في حروب، على عكس تلك التي تعرضت إلى هزائم عسكرية واحتلال من قبل إسرائيل مثل مصر وسوريا والأردن ثم لبنان، ما يتطلب اعتماد الخيار السلمي وليس الحربي وتلقي الهزيمة تلو الأخرى.ظهور أي دعوة شعبية من قبل أفراد أو منظمات مجتمع مدني في أي بلد عربي للتعايش السلمي مع الكيان الإسرائيلي، الذي ما زال مُصّرا على احتلاله للأراضي الفلسطينية خاصة بعد الخامس من يونيو 1967 وسياساته النازية ضد شعب فلسطين، تعبّر عن سذاجة فكرية وسياسية وارتهان لما يخدم الكيان الإسرائيلي دون تقديمه سياسيا ما يعيد حقوق الفلسطينيين في الأرض والوطنلو تتبعنا مقولة التطبيع عراقيا في السنوات والأشهر القليلة الماضية لوجدناها أصبحت ذات مدلول سياسي وإعلامي كواحدة من مفردات الصراع والتنافس بين أحزاب الحكم الطائفية ومواسمها التجديدية من جهة، ومن بين أدوات التكتيك السياسي لنظام ولي الفقيه الإيراني في توظيف القضية الفلسطينية وادعاء الصراع مع “إسرائيل” لخدمة ما يعتبره مشروعية تفرّده بالنفوذ في المنطقة، خصوصاً العراق، من جهة أخرىسبق أن وردت مفردة التطبيع على لسان أحد السياسيين الشيعة الذين خرجوا على مقتدى الصدر، ألا وهو بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء السابق، الذي قال في ندوة تلفزيونية بتاريخ الرابع عشر من أكتوبر 2020 “إن العراق مهيّأ للتطبيع مع إسرائيل وإن قرار التطبيع سيصدر من النجف وليس من بغداد”. التطبيع كمفردة سياسية بروتوكولية تتعلق بالحكومات وليس بالشعوب ونخبها السياسية والثقافية، خاصة لدى بلدان العرب التي لم تدخل في حروب، على عكس تلك التي تعرضت إلى هزائم عسكرية واحتلال من قبل إسرائيليذكر أن الزعماء الشيعة لم يتعرضوا ولم يدخلوا في معركة سياسية أو إعلامية مع عضو البرلمان العراقي السابق مثال الآلوسي حين أعلن عن زيارته إلى تل أبيب، لكن رئيسه أحمد الجلبي فصله من حزب المؤتمر، ثم هدد الآلوسي بكشف أسرار زيارات زعامات كثيرة من حكام العراق الشيعة لكنه لم يفعل لحد اللحظة.استخدمت مفردة التشكيك الشيعي بعلاقات قيادة إقليم كردستان بإسرائيل كواحدة من الحملات التي تعاطى بها أفراد ثانويون من الشيعة، بإثارة قصص بعضها مبالغ فيه حول وجود منظمات ومؤسسات إسرائيلية ناشطة في مختلف الميادين التجارية والاستخبارية داخل الإقليم الكردي، ولم تكترث قيادة كردستان بتلك الاتهامات واعتبرتها جزءا من التعبير عن ردود الفعل الفاشلة تجاه حالة الاستقرار والبناء الحاصلة في كردستان منذ عام 2003، قياساً بالفشل والتدهور اللذين حلاّ بمناطق العراق العربية المحكومة من الزعماء الشيعة.لا ينكر الأكراد علاقاتهم بإسرائيل، حيث جمعت الأقليات الكردية واليهودية المظلومية التاريخية. تؤكد ذلك زيارات مؤسس الحركة الكردية مصطفى البارزاني لتل أبيب، والزيارات التي قام بها غيره من الزعماء الأكراد. وقيام حكم كردي شبه مستقل في العراق تحت عنوان الإقليم الفيدرالي، وضع اليهود ودولتهم أمام مسؤولية تضامنية مع هذا الكيان الجديد ووصوله إلى مرحلة الاستقلال التام، لهذا انفردت إسرائيل بتأييد الاستفتاء بشأن الدولة الكردية المستقلة.لا شك أن هذا التطور بتمتع الأكراد بإقليمهم النامي قد شجع العرب السنة خصوصاً الناشطين الهاربين من الموت المحقق في باقي مناطق العراق على تبّني فكرة الإقليم العربي سواء في الأنبار أو غيرها من المحافظات الغربية، وهي فكرة موّثقة ومُشرعنة بالدستور العراقي، لهذا ينبغي كشف دوافع محاولات شيطنة هذه الدعوة من قبل الأحزاب الشيعية التي لا تقبل أن يشاركها أحد في سطوتها وتحكمها بالقسم العربي من العراقالحقائق الموثقة تشير إلى أن الأكراد ليسوا وحدهم من يمتلك مثل هذا الوّد والتواصل مع إسرائيل، رغم سرّيته، فقد أكدت التقارير والأخبار والوثائق التي نشرتها الصحافة الأميركية بعد عام 2005 عن التسهيلات والتعاون الذي قدمته أفواج الميليشيات الشيعية من العراقيين المنتظمين داخل الحرس الثوري الإيراني للقوات الأميركية المحتلة عام 2003، ولفرق الموت الإسرائيلية التي استهدفت وبشكل منظّم ودموي القادة العسكريين العراقيين والنخب العلمية خاصة في المجال النوويجانب آخر مهم يفضح أكذوبة شعار دعم طهران ووكلائها من الأحزاب والميليشيات في العراق للقضية الفلسطينية. فقد تعرض الفلسطينيون المقيمون في العراق منذ عقود إلى حملات اعتقال وطرد نفذتها الميليشيات أجبرت المئات منهم على الفرار من العراق والتخلي عن منازلهم ودراسة أبنائهم الجامعية، بل وحتى سياراتهم وممتلكاتهم الصغيرة الأخرى. فكرة عقد مؤتمر للعرب السنة برعاية أميركية – إسرائيلية ليست بعيدة عن الأحزاب الشيعية بالتنسيق مع بعض الأوساط الكردية، كجزء رخيص ومبتذل من وسائل الحملة الدعائية للأحزابيكشف التسريب الموثّق المُسرّب الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام رسالة استغاثة من وكيل وزارة الداخلية العراقية مهدي الفكيكي إلى هادي العامري يحذره فيها من خطورة ما اعتبره تمرير مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق “لأن منح الفلسطينيين حقوقا كالعراقيين ستصبح لعنة على الشيعة إلى يوم الدين” حسب وصفه، علما بأن الفلسطينيين كانت لهم قبل عام 2003 حقوق مساوية للعراقيين ما عدا التجنيس، بل إن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين اقتطع من أموال العراقيين وقدمها لأسر شهداء الثورة الفلسطينية، وهو ما جلب لنفسه وللعراق المصير الذي دفع بالتحالف الأميركي – الإسرائيلي إلى إزالة نظام حكمه بعد أن أطلق 39 صاروخا على تل أبيب، فماذا قدمت إيران ووكلاؤها للفلسطينيين سوى لعبة عرض القوة عن طريق منظمتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة وحزب الله في لبنان.فكرة عقد مؤتمر للعرب السنة برعاية أميركية – إسرائيلية ليست بعيدة عن الأحزاب الشيعية بالتنسيق مع بعض الأوساط الكردية، كجزء رخيص ومبتذل من وسائل الحملة الدعائية للأحزاب في الانتخابات وتجديد الهجمة على المكون العربي السنّي بعنوان ينتقل من تهمتي الإرهاب والبعثية إلى التعاون مع إسرائيللقد تورطوا بتقديم أشخاص من هوامش المجتمع العربي السني، فقد سبق لأبرزهم وسام الحردان قائد الصحوات أن اشتغل لسنوات إلى جانب نوري المالكي. كما ذكرت التقارير الصحافية المنشورة حول المدعوة سحر كريم اللامي، عريفة حفل افتتاح المؤتمر التي سمّت نفسها سحر الطائي لإبعاد انتمائها الشيعي عن اسمها، وسبق لها العمل مع موفق شهبوري الربيعي في مستشارية الأمن الوطني قبل أن يتم تنسيبها في وزارة الثقافة التابعة لميليشيا عصائب أهل الحق، لتضطر إلى نزع عباءتها وربطتها السوداء مستبدلة إياهما بزي حديث للتمويه.هذه الخطوة سيئة الإخراج والتنفيذ الجارحة لمشاعر العراقيين لا تعني تجاهل ما يعانيه عرب المحافظات الغربية من ظلم وحرمان من أبسط الحقوق ومن مصادرة للأراضي والممتلكات وتغييب للشباب البريء المتفاعل اليوم مع معاناة أبناء وسط وجنوبي العراق بوجه الطبقة الفاسدة، في تأكيد على حقهم في إحداث تغيير سياسي بالبلاد.العملية الاستخبارية الإعلامية في أربيل وئدت في مهدها، ليس بفضل الإعلانات الاستهلاكية الانتخابية للأحزاب والزعامات الشيعية التي لا تستطيع المزايدة على عرب العراق، إنما بسبب ردّة الفعل العفوية والمبدئية للعراقيين السنّة خاصة، وللنخب الشعبية والثقافية والصحافية العراقية المستقلة التي أكدت التزامها بقضية فلسطين وحق شعبها في العودة إلى أرضه، ورفضها المتاجرة بهذا الملف الحساس لأغراض رخيصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى