مقالات

غلق المخيمات.. فتح المشكلة

د. فاتح عبدالسلام

الارقام تقول انَّ عدد النازحين داخل العراق من أبنائه كان ثلاثة ملايين وربع المليون، وانَّ الرقم استقر في السنة الاخيرة عند مليون وثلاثمائة الف، بما يفوق عدد سكان أكثر من دولة خليجية ينعم أهلها بالرفاهية القصوى.

يبدو انَّ القرار مركزي ونهائي لارجعة فيه، وخارج التنسيق المطلوب مع الامم المتحدة، في اغلاق مخيمات النزوح واعادة العراقيين الى مدنهم.

لكن هذا الكلام لا يزال نظرياً وبعيداً عن شروط الامان التي دفع غيابها تلك الاعداد المهولة للهروب من بيوت مستقرة الى خيام تحت ظروف سيئة ومتقلبة، وبرغم ذلك اعتبرها كثير من النازحين حياة بديلة فيها أمان بدل التهديد المعيشي، أو التهديد الأمني لأسباب في طي الغيب لا يعرفون متى تتفجر في وجوههم مع تقلّب الظروف.

من حيث المبدأ، إنّه من المعيب بل من العار أن يكون العراقي نازحاً في بلده، وهي إحدى الخطايا التي تضاف الى السجل الأسود للسواد الاعظم من البرلمانيين والسياسيين في البلد المنكوب بهم.

غير أنَّ قرار اغلاق المخيمات يجب أن يستند الى ضمانات معيشية وأمنية وصحية واجتماعية مناسبة وجادة، وانّه يجب أن تتوافر هيئة خاصة لإعادة تأهيل النازحين، قبل إعادتهم ، فعودتهم بحد ذاتها قد تولّد ردود أفعال ضدهم في مجتمعات ضيقة لا تزال تعتاش على الشائعات ويسودها الجهل وتغلب عليها الامية والنعرات المختلفة ورواسب ما بعد الاحتلالات.

إنَّ الحكومة أمام مسؤولية جسيمة وهي تُقدِم على اغلاق مخيمات النزوح، ذلك انَّ القرار في مهب الخطر الأكيد مالم يتوافر على البدائل المناسبة التي تحفظ كرامة العراقي.

لابدّ من خط شروع واضح المعالم تشترك فيه الوزارات بموازنات يقرها البرلمان والحكومة معاً من أجل تدارك هذه المشكلة الاجتماعية العظيمة.

فهل هناك مثل هذا الاجماع على التصدي للمشكلة أم أنّنا سننتقل بالمشكلة من حيز محدود الى مناطق أوسع وأخطر؟

لعله من أبلغ درجات اليأس أن تتحدث بخوف وألم سيدة قضت مع ابنائها خمس سنوات في خيمة بائسة، وتعبر عن خشيتها من أن تفقد هذا الحد الأدنى من العيش الآمن الذي اعتادت عليه برغم الحرمان، فيما لو عادت الى بيت مهدم في مدينة ،لاتدري إن كانت تتقبل عودتها أو ترفضها.

الحكومة مدعوة الى تنفيذ القرار بتنسيق مع المنظمات الدولية، وأن لا تأخذها العزة بالاثم في القول انه قرار سيادي، فأين كانت القرارات السيادية طوال تلك السنوات من هؤلاء العراقيين النازحين البائسين؟.

لا معنى لغلق المخيمات واخراج النازحين منها إذا كان المصير الذي ينتظرهم رحلة بائسة جديدة بين المدن والقرى بحثاً عن مستقر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى