مقالات

قصة صولجاني القديمة .. و عصا بوتين الغليظة ..

بقلم مهدي قاسم

عندما انتقلت إلى بيتي الجديد قبل سنوات غابرة ، وجدت فيه عصا تشبه صولجانا جميلا تركه صاحب البيت السابق لي لسبب من الأسباب : عصا جميلة بلون بني لامع مزدانة بحفريات على شكل أفعى مرقطة و حصان مجنّح !، حيث مقبضه الذهبي يشع أثناء تساقط اشعة الشمس الساطعة عليها من خلل النافذة، فأردت رميها إلى حاوية قمامة البناية ، ولكن كأنما ثمة صوتا خافتا همس في إذني على نحو :ـــ ألا ترى أنها بمثابة تحفة بديعة و جميلة عليها جهد وتعب و عمل فنان صاحب ذوق جمالي عال و إبداع ملفت حقا ؟ .. فلماذا لا تحتفظ بها ؟ .. ومن يدري ؟ .. فربما ستكون ذات يوم عصيب بحاجة إليها فجأة ..في أثناء ذلك كان البيت الواقع على يسار بيتي مستثمرا للإيجار ، ولكنه كان عموما بيتا هادئا رغم تبادل وتغيير المؤجرين بين حين و آخر ..ذات مرة انتقل إلى البيت مؤجر جديد بشخص شاب متعجرف أنوف ، قيل عنه يدرس في الجامعة التكنلوجية ، ولم يمض على انتقاله بضعة أيام حتى بدأتُ اسمع أصواتا عالية وحادة تأتي من جهته ليس نهارا فقط أنما ليلا متأخرا أيضا ، بل حتى ما بعد منتصف الليل ، ثم اكتشفت أنه يسمع موسيقى الديسكو الصاخبة طوال اليوم تقريبا ، بعد رجوعه من الجامعة ، الأمر الذي كان يؤثر على راحتي و هدوء نومي ، إذ كنت اسمع تلك ” الموسيقى ” الصاخبة والزاعقة ، و كأنها كما لو كانت تنبعث من بين أركان بيتي أنا! .فوجدت نفسي مضطرا لتنبيهه إلى ذلك مرارا ، بل ذات مرة اشتريت له ” سماعة أذن ” و قدمتها هدية له لكي يسمع موسيقى ” الديسكو ” بخفوت وسكون دون إزعاجي و إزعاج باقي الجيران ، فرد بعجرفة أنه ليسب حاجة إليها و أغلق باب البيت بفظاظة ..و حدث في يوم آخر أن كانت في زيارتي صديقة صحفية هنغارية ، فبدأ هو يسمع الموسقى الصاخبة و بضجة عالية كالعادة بحيث بالكاد بدأنا نسمع أحاديث بعضنا بعضا أنا و الضيفة فقمت و ضربت الحائط المشترك والفاصل بيننا بقبضة يدي بضربات متتالية منبها إياه بضرورة خفض الصوت إلا أنه بدلا من أن يخفّض درجات الصوت أطلقها حتى عنان السماء كتحد سافر ووقح إلى أقصى حد .. ففكرت بين نفسي : هذا شيء كثير كثير حقا و أمر لا يُطاق بعد الآن !..حينذاك تذكرتُ صولجاني الجميل و العظيم ..فتناولته و ذهبت به ملوّحا نحو جاري المزعج و أطرقتُ الباب بقوة و بضربات شديدة وما أن فتح الباب ورأي الصولجان في يدي و شرر الغضب الكاسح تبرق من عيني على شكل شرارات حمراء لاسعة ، مدركا هو خطورة الوضع الساخن ، حتى اغلق الباب خلفه بسرعة ، ولكنني في أثناء ذلك تمكنت من توجيه ضربة عصا قوية على أصابع يديه قبل ان يغلق على نفسه الباب متأوها بأصوات موجعة ..بينما بعض الجارات الواقفات عند أبواب شققهّن و المعانيات هنّ الأخريات من ضجيج الموسيقى الصاخبة رفعنّ يديهّن وحركنّ أصابعهّن بعلامة إعجاب استحسانا و ترحيبا ! .و منذ تلك اللحظة الحاسمة خيم الهدوء والسكون على البناية …و حتى الآن !..إذ أن ذلك الجار والمؤجر المزعج ليس فقط بطل الاستماع إلى موسيقى الديسكو الصاخبة إنما انتقل من البيت بشكل نهائي وإلى الأبد ..و رجوعا إلى عصا بوتين ـ فبطبيعة الحال أنا ضد الحرب غير العادلة ..أما ما هو مفهوما الحرب العادلة وغير العادلة فتلك مسألة أخرى ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى