مقالات

مركز‭ ‬العاصمة

فاتح عبد السلام

لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬وظيفة‭ ‬حصرية‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬المدينة”‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ذلك‭ ‬انَّ‭ ‬الوظائف‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬كنّا،‭ ‬فقط،‭ ‬نجدها‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬متمركزة‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬المدن‭ ‬بتنا‭ ‬اليوم‭ ‬نراها‭ ‬متعددة‭ ‬ومتوزعة‭ ‬ومتوافرة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثين‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬عاصمة،‭ ‬وربّما‭ ‬بعدد‭ ‬الاحياء‭ ‬الكبيرة‭. ‬

مركز‭ ‬المدينة‭ ‬بات‭ ‬إشارة‭ ‬رمزية‭ ‬من‭ ‬إشارات‭ ‬السير‭ ‬والمرور،‭ ‬ونقطة‭ ‬دالة‭ ‬تتفرّع‭ ‬عنها‭ ‬اتجاهات‭ ‬الأمكنة‭ ‬في‭ ‬العواصم،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬قيمة‭ ‬حصرية‭ ‬عليا‭ ‬بذاته‭ ‬ولا‭ ‬بديل‭ ‬عنه،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬احتوى‭ ‬على‭ ‬مقار‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬الرئيس،‭ ‬أو‭ ‬الملك،‭ ‬أو‭ ‬الأمير‭.

‬هناك‭ ‬دول‭ ‬لها‭ ‬نزوع‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬المقار‭ ‬الحكومية‭ ‬على‭ ‬بلدات‭ ‬محيطة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬وعدم‭ ‬تكريس‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المركز‭.

‬مبنى‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬غرويدن‭ ‬الضاحية‭ ‬المحيطة‭ ‬بحزام‭ ‬لندن‭.‬وأنت‭ ‬تقود‭ ‬سيارتك‭ ‬من‭ ‬ضواحي‭ ‬العاصمة‭ ‬متوجها‭ ‬الى‭ ‬مركزها‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تلحظ‭ ‬بسهولة‭ ‬تغير‭ ‬مؤشر‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬نحو‭ ‬الارتفاع،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بدرجة‭ ‬بسيطة،‭ ‬ذلك‭ ‬انَّ‭ ‬الاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬للسيارات‭ ‬وكثافة‭ ‬حركة‭ ‬الناس‭ ‬وضيق‭ ‬الشوارع‭ ‬وارتفاع‭ ‬الكتل‭ ‬الاسمنتية‭ ‬العالية‭ ‬للعمارات،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬لزيادة‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬التلوث‭ ‬أيضاً‭.‬هناك‭ ‬تحديدات‭ ‬وغرامات‭ ‬أو‭ ‬رسوم‭ ‬تفرضها‭ ‬بلديات‭ ‬مراكز‭ ‬العواصم‭ ‬على‭ ‬موديلات‭ ‬من‭ ‬السيارات،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬مصنفة‭ ‬بحسب‭ ‬احتراق‭ ‬نوع‭ ‬وقودها‭ ‬وافرازها‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أوكسيد‭ ‬الكاربون‭.

‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬الحديثة‭ ‬امر‭ ‬سائب،‭ ‬بات‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬محسوباً‭ ‬على‭ ‬وفق‭ ‬وظيفته‭ ‬ومدى‭ ‬الإفادة‭ ‬البشرية‭ ‬منه‭.‬نعم،‭ ‬هناك‭ ‬بصمة‭ ‬ثقيلة‭ ‬لمراكز‭ ‬العواصم،‭ ‬ولها‭ ‬جاذبية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬الناس‭ ‬نحو‭ ‬فنادق‭ ‬أو‭ ‬مطاعم‭ ‬ونوادٍ‭ ‬فخمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجامعات‭ ‬والمتاحف،‭ ‬غير‭ ‬انَّ‭ ‬البلديات‭ ‬الخاصّة‭ ‬للمراكز‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬تقنين‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬وجعلها‭ ‬مكلفة‭ ‬بالرسوم‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬مجدولة‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الفرد‭ ‬عندما‭ ‬يرتاد‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن،‭ ‬مع‭ ‬إعطاء‭ ‬البلديات‭ ‬الترخيص‭ ‬المناسب‭ ‬لمن‭ ‬يزاول‭ ‬عملاً‭ ‬أو‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬العواصم‭ ‬الكثيفة‭ ‬بالحركة‭ ‬والناس‭.‬ما‭ ‬يقع‭ ‬خارج‭ ‬المدن‭ ‬والعواصم‭ ‬العربية‭ ‬خضع‭ ‬لمفاهيم‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬شأن‭ ‬تلك‭ ‬المدن،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬انَّ‭ ‬هناك‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبية‭ ‬تقول‭ ‬بتصنيفها‭ ‬بالأقل‭ ‬شأناً‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬تكرّسها‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضعف‭ ‬خدماتها‭ ‬ونظـرتها‭ ‬المتدنية‭ ‬لتطور‭ ‬البلدات‭ ‬الصغيرة‭.

دول‭ ‬عربية‭ ‬عدة‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬انتشار‭ ‬البلدات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بالعواصم،‭ ‬لتكون‭ ‬عامل‭ ‬تخفيف‭ ‬للثقل‭ ‬الخدمي‭ ‬والسكاني‭ ‬المتمركز‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬محددة،‭ ‬وتوجد‭ ‬قرى‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬طينية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬عدة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انَّ‭ ‬الاجدر‭ ‬بنا‭ ‬تحويلها‭ ‬الى‭ ‬بلدات‭ ‬حديثة‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها‭ ‬تساند‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬العظيمة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى