مقالات

معايير القياس وفجوة المعرفة: من المسؤول ؟؟

مازن صاحب

ثمة تساؤلات كثر طرحها في تحليل الخلل في المركب الحضاري لدولة عراقية حديثة ، جلدت ذات المواطن بدلا من إعادة صياغة الانتقال من فكر المعارضة المسلحة الى فكر بناء الدولة وهكذا انتقل موقع العراق ما بعد الحرب العراقية الإيرانية من تصنيفات ممتازة او جيدة على اقل تقدير وفق معايير الأمم المتحدة الى ادنى موقع في جداول هذه التقييمات عن حقوق الانسان مثل التعليم ، فقد ان تجاوز العراق أواسط السبعينات الامية ، عاد العراق ليحتل موقعا بارزا بوجود حوالي 15 مليون امي بين البالغين فيما يزيد الكتاب عن الدولة الحضارية الحديثة جلد المواطن بوصفه مواطنا غير فعالا وغير مستجيب لتجاوز الخلل في المركب الحضاري !!اعتقد هناك ثلاثة جوانب مهمة في هذا الموضوع، الأول وقائعي متراكم، بما نتج عن وقائع سلبية كانت ام إيجابية يمر بها المجتمع العراقي وهو مجتمع زراعي متمدن انتهى بعد تلك الحروب العبثية وفترة العقوبات الدولية الى ترييف المدينة وتمدن الريف، فلا الريف احتفظ بمميزاته وبات مستهلكا أكثر من ان يكون منتجا وحتى الإنتاج مثل الحنطة والشعير تباع للدولة بأسعار اعلى من أسعار الاستيراد من دول الجوار مما يخلق ارباكا في العملية التسويقية.الجانب الثاني يتجسد في تطبيق مسطرة القياس وفق المعايير الدولية عند تحليل مستوى الديمقراطية او الحريات الشخصية في عراق اليوم ،الخلل في المركب الحضاري من وجهة نظري المتواضعة ان الأحزاب المسلحة لم تتحول الى أحزاب دولة بل بقيت مجرد عوائل لمفاسد المحاصصة حولت مؤثرات ركام الحروب على المجتمع الى حالة استهلاكية تنتفع بها الدول الإقليمية والدولية التي ترتبط بها هذه الأحزاب وأوضح مثالين على ذلك نصب محطات كهرباء غازية في وقت لا يتوفر الغاز حين التعاقد عليها، المثال الثاني ان منتجات الصناعات الغذائية والزراعية مثل الالبان ومعجون الطماطم والخضروات وغيرها التركية والسعودية والايرانية والسورية والاردنية تغزو الأسواق بأسعار الإغراق السلعي من دون أي موقف يحد من هذا الإغراق، وحينما يجري قياس الأداء الاقتصادي العراقي اليوم وفق معايير التنمية المستدامة ومعدلات الفقر والبطالة والتضخم، يظهر العراق في ادنى المراتب ،وذات المعنى للثقة المجتمعية والعلاقات البينية بين الشرائح المجتمعية من الفاو الى زاخو ومن مندلي الى الرطبة. اما الجانب الثالث فيحدد المسؤولية الجنائية بالسلوك السياسي للأحزاب المتصدية للسلطة، فعندما يكرر اتهام المواطن بعدم الفعالية في انتخاب الاصلح عبر التغيير من خلال صناديق الاقتراع، وتلك فرية كبرى يكررها وعاظ سلاطين عوائل استبداد مفاسد المحاصصة فالمواطن – الناخب مقاد وليس قائدا من قبل مرجعيات مجتمعية دينية وعشائرية ومصلحية ناهيك عن المنهج الذي تبعته هذه الأحزاب في خلق شرائح طفيلية تقود الجريمة المنظمة حتى انتهى العراق الى ان يكون اكبر مرتعا لتجارة المخدرات تنخر بما تبقى من الثوابت المجتمعية وتطفو بدلا عنها مركبات جديدة للخل في المركب الحضاري .لذلك لم تظهر في الإحصاءات العراقية ما يقيس أداء الأحزاب وفق معايير الحكم الرشيد وهناك مقياس يصدر عن احد منظمات المجتمع المدني يحاكي هذا المنهج ، لكن القائمين عليه لا يتطرقون الى المسؤولية الجنائية للأحزاب المتصدية للسلطة وفق الدستور والقوانين النافذة وتحديدا الفائزين في تمثيل الشعب، واذا ما طبقت هذه المعايير على أداء مجلس النواب في دوراته المتتالية وفق منطوق مركب الخلل في البناء لدولة حضارية حديثة ، يمكن ان يحال الاغلب الاعم منهم لمحاكمة جنائية تحاسبهم على القسم الذي يؤكد الحفاظ على المال العام ووحدة الدولة العراقية ، فقط هذا الموضوع اذا ما جرى تفعليه يكفي لقياس معدل الفجوة المعرفية بين وقائع مفاسد المحاصصة والخلل في المركب الحضاري .اما اتهام المواطن العراقي بعدم الفاعلية ، فهناك ثلاث أسباب مهمة ، الأول الانتفاع لتلك الشرائح التي تحولت عبر الخدمة الجهادية وقوانين العدالة الانتقالية الى مناصب السلطة كقوة دفع انتقامية من بقية شرائح المجتمع ، الثاني تحول الكثير من القوى المجتمعية لاسيما التي لها نصيب من المشاركة في إدارة السوق العراقي مجبرة الى محاكاة سلاطين مفاسد المحاصصة للحفاظ على امتيازاتهم ، والسبب الثالث، شيوع ما عرف بالمقاومة ضد الاحتلال وتحول البعض المطرود شكلا من صفوف هذه القوى الى الجريمة المنظمة جعل الأغلبية الصامتة امام حقيقة انها كانت تواجه جبروت نظام دكتاتوري واحد ، فيما تواجه اليوم دولا عميقة لكل منها جبروته الدكتاتوري .. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى