مقالات

أعمدة‭ ‬النهضة‭ ‬السبعة

د. نزار محمود

شهدت‭ ‬شعوب‭ ‬وأمم‭ ‬نهضات‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬استوجبها‭ ‬تردي‭ ‬واقع‭ ‬حالها‭ ‬وصحبتها‭ ‬الرغبة‭ ‬والعزيمة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭

. ‬بيد‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬النهضات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتنجز‭ ‬دون‭ ‬اشتراطات‭ ‬ومقومات‭. ‬

بيد‭ ‬أنها‭ ‬اختلفت‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬أو‭ ‬الآخر‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬وفق‭ ‬طبيعة‭ ‬ومعطيات‭ ‬وحتى‭ ‬سجايا‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم.‭

‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وددت‭ ‬تحديد‭ ‬سبعة‭ ‬أعمدة‭ ‬لنهضة‭ ‬أي‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬أمة،‭ ‬هي‭:‬

أولاً‭: ‬الثقافةولعمري‭ ‬أنها‭ ‬العمود‭ ‬الأساس،‭ ‬بكل‭ ‬شمولية‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬وعلوم‭ ‬ومهارات‭ ‬وطرق‭ ‬تفكير‭ ‬وانماط‭ ‬عيش‭ ‬وقيم‭ ‬واخلاق‭ ‬وسجايا‭ ‬وفنون‭. ‬انها‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬عليها‭ ‬أعمدة‭ ‬النهضة‭ ‬التالية‭ ‬التي‭ ‬سأتحدث‭ ‬فيها‭. ‬فلا‭ ‬نهضة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬علوم‭ ‬وطاقات‭ ‬انجاز،‭ ‬ولا‭ ‬نهضة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قيم‭ ‬وأخلاق،‭ ‬ولا‭ ‬نهضة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شعور‭ ‬بالعزة‭ ‬والكرامة‭.

‬ثانيا‭: ‬القيادةان‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬بنى‭ ‬تحتية‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والقدرة‭ ‬والرغبة‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬نفخ‭ ‬روح‭ ‬الهمة‭ ‬وتفجير‭ ‬طاقاتها،‭ ‬والى‭ ‬الحاجة‭ ‬الى‭ ‬توجيهه‭ ‬وإدامة‭ ‬زخمه‭.

‬انه‭ ‬باختصار‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬تتوفر‭ ‬فيه‭ ‬خصائص‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬ودفعهم‭ ‬الى‭ ‬العمل‭ ‬ونكران‭ ‬الذات‭ ‬والتضحية،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬سجايا‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بفعل‭ ‬القيادة‭ ‬شخصياً‭ ‬ووطنياً‭.‬

ثالثاً‭: ‬العدالة‭ ‬والاستقرارلا‭ ‬تقوم‭ ‬نهضة‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬حضنة‭ ‬عدل‭ ‬واستقرار،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬بكون‭ ‬مادة‭ ‬تلك‭ ‬النهضة‭ ‬وغايتها‭ ‬هم‭ ‬البشر‭ ‬ابناء‭ ‬ذلك‭ ‬الشعب‭ ‬وتلك‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجتمع‭ ‬سواعدهم‭ ‬ولا‭ ‬تتآزر‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬الظلم‭ ‬واللا‭ ‬عدالة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭. ‬فلا‭ ‬يعقل‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬مستعد‭ ‬للعمل‭ ‬والاخلاص‭ ‬ونكران‭ ‬الذات‭ ‬والتضحية‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬ظلم‭ ‬الآخرين‭ ‬له،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬بالبناء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬آمنة‭ ‬ومستقرة‭.

رابعاً‭: ‬التربية‭ ‬والتعليم التربية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬للقيم‭ ‬الانسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وتزرعه‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬ونفوس‭ ‬وقلوب‭ ‬البشر،‭ ‬وتهذب‭ ‬في‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬وتقوي‭ ‬من‭ ‬عود‭ ‬مواقفهم‭ ‬تشكل‭ ‬أساساً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬أو‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نهضة‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬التعليم‭ ‬بما‭ ‬يكسبه‭ ‬للانسان‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬جديدة‭ ‬نافعة‭ ‬ومهارات‭ ‬إنجازية‭ ‬تسهل‭ ‬عليه‭ ‬قضاء‭ ‬حوائجه‭ ‬وتمكنه‭ ‬من‭ ‬إعمار‭ ‬بيته‭ ‬وأرضه‭ ‬وبالتالي‭ ‬وطنه‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تشكل‭ ‬عموداً‭ ‬لرفع‭ ‬بنيان‭ ‬النهضة‭.‬

خامساً‭: ‬الصحة‭ ‬العامةقديماً‭ ‬قالوا‭: ‬العقل‭ ‬السليم‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬السليم،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭: ‬المؤمن‭ ‬القوي‭ ‬خير‭ ‬وأحب‭ ‬الى‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬المؤمن‭ ‬الضعيف‭.

‬وفي‭ ‬آخر‭: ‬علموا‭ ‬أولادكم‭ ‬الرماية‭ ‬والسباحة‭ ‬وركوب‭ ‬الخيل‭.

‬انها‭ ‬جميعاً‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وبناء‭ ‬جسمه‭ ‬وتقوية‭ ‬قدراته‭.‬

وهكذا،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬النهضة،‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬صحة‭ ‬عقلية،‭ ‬والى‭ ‬صحة‭ ‬بدنية،‭ ‬وليس‭ ‬آخراً‭ ‬الى‭ ‬صحة‭ ‬نفسية‭. ‬

سادساً‭: ‬الاقتصاد‭ ‬والبنى‭ ‬التحتيةلا‭ ‬أريد‭ ‬تناول‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭ ‬وفق‭ ‬نظرة‭ ‬كلاسيكية،‭ ‬فأذهب‭ ‬بتعريفي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬كعلم‭ ‬ندرة‭! ‬وإنما‭ ‬الى‭ ‬فهمه‭ ‬كعلم‭ ‬وفرة،‭ ‬دون‭ ‬تجاهل‭ ‬لأهمية‭ ‬توفر‭ ‬الموارد‭ ‬ومحدودياتها‭.

‬اليوم‭ ‬نتكلم‭ ‬باهتمام‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعرفي‭ ‬والمهاري،‭ ‬وعن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬وتطور‭ ‬الشعوب،‭ ‬وهكذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬نهضتنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيشكل‭ ‬جانباً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬جانبيها‭ ‬المادي‭ ‬واير‭ ‬المادي‭.‬

سابعاً‭: ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الجيرانأشرت‭ ‬في‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬النهضة‭. ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الاستقرار‭ ‬لن‭ ‬يكتمل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الداخلي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬الجيرة‭

. ‬فالشعوب‭ ‬والدول‭ ‬لا‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تامة‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬جغرافياً‭ ‬واقتصادياً،‭ ‬وانما‭ ‬تستمد‭ ‬استقرارها‭ ‬وتعززه‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استقرار‭ ‬دول‭ ‬الجيرة‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والصبر‭ ‬والابداع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬جسور‭ ‬حسن‭ ‬الجيرة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى