مقالات

ألما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره – منقذ داغر

فصل الإرتياب في صندوق الإنتخاب

ألما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره – منقذ داغر

أستعرضت في الحلقة السابقة الأسس النظرية لنظام انتخاب الصوت الواحد غير القابل للتحويل SNTV الذي طُبق لأول مرة في العراق ولم يلتفت لآلياته وتفاصيله من(بصموا)عليه! الجهل بهذا النظام الذي أطلقتُ عليه صفة السهل الممتنع كان مسؤولاً برأيي عن معظم هذه النتائج التي صدمتنا جميعاً حتى ظن البعض أنها فعلاً قد تكون مفبركة. فهذا النظام مصمم على وفق المقياس التراتبي Ordinal scale الذي يركز على ترتيب الفوز لا على حجم الفوز. فلا يهم مقدار الاصوات التي حازها الفائز وأنما ترتيبه ضمن المرشحين. لقد حصلت الأحزاب(أعلى عشرين) المتنافسة في الأنتخابات عن النتائج الموضحة في الشكل 1 أدناه. وكما هو واضح فرغم ان الكتلة الصدرية حازت على المركز الأول الا انها من حيث الأصوات التي حصلت عليها جاءت في المركز الثاني ب 885317 صوت بعد المستقلين الذين حصلوا على ما يقترب من المليوني صوت! وفي حين حصل الديموقراطي الكورستاني على ثالث عدد الاصوات ب 764416 صوت فأنه جاء بالمرتبة الرابعة من حيث عدد المقاعد بعد الصدريين وتقدم ودولة القانون. بمعنى أن مقدار شعبية الحزب وعدد الأصوات التي حاز عليها ليست هي الفيصل في الفوز وأنما كيفية توزيعها وتوجيهها،وهذا مماثل لما حصل في الانتخابات الأمريكية مثلاً حينما فاز ترامب على كلنتون رغم ان أصواته الكلية كانت أقل. هذا يؤكد ما قلته في الحلقة السابقة من أن هذا النظام الأنتخابي يضمن فوز الحزب الأكثر فاعلية وليس الاكثر شعبية.قياس فاعليةبما أن الفاعلية تقاس بتحقيق الهدف بأقل الكلف فأن من الضروري قياس فاعلية كل قائمة أنتخابية ومقارنتها مع القوائم الأخرى لمعرفة مقدار الظلم الذي تسببت به كل كتلة لنفسها بسبب جهلها بقواعد عمل هذا النظام. يوضح الشكل الثاني ثمن كل مقعد انتخابي حصل عليه كل حزب أو قائمة من أعلى 20 متنافس في هذه الأنتخابات. أقصد بثمن المقعد عدد الأصوات التي أنفقها(مجازاً) كل حزب من الرصيد الكلي للأصوات التي حصل عليها لكي يحوز على مقعد برلماني. ويمكن أستخراج ذلك بقسمة عدد الأصوات الكلية للحزب على عدد المقاعد التي حازها.ومع أني أجريت أختباراً إحصائياً للتأكد من صحة إستنتاجاتي،الا ان الأمر يبدو واضحاً حتى لغير المختص. ففي الوقت الذي أحتاجت فيه حقوق الى أكثر من 95 ألف صوت جمعته في كل مراكز ومحطات الأقتراع للحصول على مقعد انتخابي،وأحتاج تحالف القوى الى أكثر من 58 ألف صوت لكل مقعد،والعقد الوطني الى أكثر من 47 ألف صوت،والفتح الى حوالي 25 ألفاً، فأن الكتلة الصدرية أنفقت 12 الف صوت فقط،ودولة القانون 14770 صوت فقط مقابل كل مقعد نيابي حازا عليه. أي أن ثمن مقعد الكتلة الصدرية كان اقل ب 65% من ثمن مقعد تحالف القوى، وأقل ب 50% من ثمن مقعد الفتح!! وعندما تلقي نظرة سريعة على الشكل 2 يبدو لك جلياً ان معظم (الخاسرين) و(المشككين) بهذه الانتخابات هم من دفعوا ثمناً باهضاً للمقعد النيابي الواحد،مقارنةً بمن (فازوا) بالانتخابات.بمعنى آخر كانت هناك علاقة عكسية واضحة بين ثمن المقعد وأحتمال الفوز،فكلما أرتفع ثمن المقعد كلما قلت أحتمالات الفوز.هذا على صعيد التحليل الكلي Macro level أما على صعيد المحطات الانتخابية فهاكم بعض الأمثلة لعدم أمكانية عرض جميع الأرقام التي توصلت لها في دراستي هنا .ففي محافظة بغداد الدائرة11 مثلاً، حصل مرشحو الفتح (والمتحالفين معهم )على اكثر من 10 آلاف صوت موزعة على مرشحين أثنين في حين فاز المرشح المستقل الذي حاز على ثمانية آلاف صوت فقط. ونفس الشيء حصل في معظم دوائر بغداد تقريباً. وهذا التوزيع للمرشحين يتناقض مع ثاني مبدأ من مبادئ الاستخدام الأمثل لهذا النظام كما شرحته في الحلقة السابقة. فلو وحّد الفتح مثلاً مرشحيه مع حقوق والعقد الوطني بأعتبارهم ينتمون لنفس التيار لأمكن لهم الحصول على ما لا يقل عن 15-20 مقعد أكثر مما حصلوا عليه مجتمعين.بقيت ملاحظة أخيرة جديرة بالاهتمام تتعلق بكيفية التوزيع الجغرافي للجهد الأنتخابي. إذ يلاحظ أن الصدريين والمستقلين ودولة القانون كان لديهم فائزين في كل محافظات الجنوب وبغداد،في حين ان الفتح خسروا في 5 محافظات جنوبية!لغة الارقامإن لغة الأرقام لا تكذب وهي توضح بما لا يقبل الشك أن كل من أشتكى من هذه الانتخابات وشكك في نزاهتها لم يعرف كيفية أدارة موارده الأنتخابية بصورة تضمن الفاعلية لا الشعبية. والغريب أن كل أولئك هم ممن خاضوا أكثر من تجربة أنتخابية وكانوا يتفاخرون بأمكاناتهم وماكناتهم الأنتخابية. كما أن جميعهم كانوا فاعلين رئيسيين في أقرار هذا القانون ورسم دوائره الأنتخابية. لذلك يصح عليهم المثل العربي الذي قالته الزبّاء ملكة تدمر حين أنتحرت كي لا يقتلها عمرو(بيدي لا بيد عمرو)، أو يصح عليهم ما يقوله العراقيون (الما يعرف تدابيره،حنطته تاكل شعيره).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى