مقالات

أمراض الثقافة..الكبت وسواه

د . نزار محمود

لا يقتصر مفهوم الثقافة، بالطبع، على الجانب المعرفي، وانما يتعداه الى جوانب السلوك والقيم وأساليب التعبير. وبهذا المعنى سأتناول، اجتهاداً، ما أراه من أمراض في الثقافة العربية. كما لم أحب عنونة المقال بأمراض المثقفين العرب، لرغبتي في تجنب شخصنة الموضوع، وأترك للقارىء أمر عكسها في أشخاصها الذين يراهم هو. كما أشير الى أن المقال ليس محاولة فلسفية لتحديد من هو المثقف، بسبب اختلاف وجهات النظر في ذلك.وفي خضم التردي العربي العام وتشتت وتضارب وتناحر الرؤى الثقافية، ولا أقول تنوعها الابداعي والايجابي الضروري، أجدني مشاركاً الآخرين عن بحث عدم تمكن الثقافة العربية من المساهمة في نهوض أمتها.وبينما أنا أكتب السطر السابق في هذا المقال، استوقفني عنوان خبر على شاشة هاتفي يقول: الصدر يدعو لاصلاح المجتمع من خلال الموعظة والتثقيف! سأعود الى هذا في موقع آخر من المقال.وفي ما يلي سأتناول عرض ما أراه من أمراض في الثقافة العربية من خلال المحاور التالية:أولاً: ثقافة الكبت والحرمانأشرت إلى أن أساليب التعبير الإنساني هي من صميم العمل الثقافي، والرئيسية فيه. وهنا تتنوع تلك الأساليب من فكرية و أدبية وفنية وغيرها.وحيث أننا في مجتمعاتنا العربية نعيش كثيراً من الكبت والحرمان، لا سيما في المجالات الجنسية والعاطفية ولأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها، فقد تناولت ثقافتنا تلك الظواهر بكثير من الوقت في كتابات ومناظرات وفنون تشكيلية طغت على جوانب ومهام أخرى ثقافية.إن الوقوف على نسبة الأعمال الثقافية عموماً، من روايات وقصص ومسرحيات وقصائد شعرية واعمال تلفزيونية ومعارض فنية ونقاشات وحوارات وغيرها، مما تناول تلك الاشكالية يبين بما لا يقبل الشك تقصير ثقافتنا في اهتمامها بأمور حياتية مهمة أخرى كذلك. ان هذه الظاهرة كانت لها ثقلها في التعامل مع الزمن ودوره في تقدم مجتمعاتنا.ثانياً: ثقافة تسييس الحياةلا أعرف من مجتمعات تنشغل « بالسياسة» مثل مجتمعاتنا العربية. صحيح ان لنا قضايانا وهمومنا الكثيرة، لكن اضاعة مليارات الساعات في أحاديث لا تنتهي غالبيتها الى نتيجة محددة، هي خسارة لزمن نحن بأمس الحاجة اليه في بناء واعمار وتقدم.انها واحدة من أمراض ثقافتنا العربية ومنتجاتها التي كانت تمطرنا سابقاً عبر وسائل الاعلام التقليدية، واليوم زادت وسائل التواصل الاجتماعي من كارثيتها!ثالثاً: النرجسية والنخبوية الثقافيةهناك نسبة ليست بالقليلة من « مثقفينا» ممن يعيش مرض النرجسية في أعماله. فما أن تراه كتب قصيدة أو رسم لوحة أو ألف مقطوعة موسيقية أو كتب كتاباً أو ما شابه حتى وجد نفسه هائماً في عالم نخبوي، على الرغم من أنه لم يكن بذاك الابداع والتميز.رابعاً: ثقافة الأنظمة المركزية والايديولوجيةان الابداع والتنوع والتثاري الفكري والمعرفي والفني لا يتلاءم كثيراً مع السقوف الثقافية للانظمة المركزية والايدولوجية التي تفرض قيماً و»شابلونات» مقيدة للحريات الثقافية، لا سيما عندما تكون المؤسسات والشخصيات المسؤولة عنها لا تتسم بالمرونة وبعد النظر والانفتاح على الرأي الآخر.واذا كان هذا الأمر يبدو واضحاً وفجاً في بلدان مجتمعاتنا العربية بصورة عامة، فإن ذلك الل لا يعيش حرية تامة غير مسؤولة حتى في مجتمعات الليبرالية والديمقراطية.خامساً: ثقافة المعرفة الاجتراريةان اقتصار ثقافتنا على اجترار ثقافة منتجة من قبل الغير، عمودياً في الزمان، وأفقياً في المكان، لا يسجل لنا اضافة أو تميزاً. فثقافة الاعادة والتكرار تبقينا في حالة تخلف وتبعية. ولعلي اكون مضطراً لطرح مقولتي: من لا يأتي بجديد، فليس بجديد على الحياة.سادساً: الثقافة العرقية والدينية والطائفيةليس هناك من مجتمع إنساني في شرق وغرب المعمورة ممن ينتمي مواطنوه الى عرق ودين وطائفة واحدة. ان التخندق الثقافي الطائفي في مجتمع ما، عرقياً ودينياً، بما لا يخدم التنوع الاثرائي، من ناحية، ويعمل على تعميق خنادق الانعزال والتنافر الوطني، هو حالة ثقافة وطنية مريضة.من هنا فإن دعوات الوعظ والتثقيف المنطلقة من أساسها الطائفي لا تجدينا نفعاً.سابعاً: ثقافة السلاطينهناك في بعض مجتمعاتنا العربية تقوم ثقافة سلاطين، في أهدافها ومضامينها. فالجميع يكتب للسلطان، والجميع يغنون له، ويكيلوا له المديح في اعمالهم الثقافية والفنية.ثامناً: ثقافة الصعاليك:على العكس من ذلك يتمرد نفر من المثقفين ليستخدم كل امكاناته الثقافية ضد سلطة البلد وسلطانه، دون أن يستند ذلك على اشتراط في صح أو خطأ.تاسعاً: ثقافة العيب والحرامليس هناك من مجتمع ليس له من الاعراف والآداب الاجتماعية وكذلك الروادع الروحية بغض النظر عن اختلافاتها. لكن العيب في تلك الثقافة أن تكون صنمية في تبريرها ومنطقها. من هنا تأخذ ظاهرة صراع الاجيال لدينا بعداً مضافاً في عيبها وحرامها غير المفسر. عاشراً: ثقافة الخمر واللهو لا أريد بذلك المعنى الحرفي للكلمتين، وإنما أريد بهما الثقافة التي نمارسها طلباً للمتعة والنشوة الفارغة العقيمة في ثمرها ونعتاد عليها كما اعتدنا على شرب الخمر وتناول الحشيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى