مقالات

أيام البنفسج

حمزة مصطفى

لم يكن الرئيس أحمد حسن البكر يحب أغنية “ليل البنفسج” لياس خضر, بعكس صدام حسين. البكر كان يحب جبار عكار. وعند أول بثها من دار الإذاعة العراقية أواخر ستينات القرن الماضي أحب البكر أغنية “لاخبر لا جفية لاحامض حلو لاشربت” لفاضل عواد. البنفسج إختفت من الإذاعة والتلفزيون لسنوات عكس “روحي” وهي مثل “البنفسج” من روائع مظفر النواب وغناء ياس خضر.

كانت “لاخبر” هي الخبر قبل نشرة الأخبار وبعدها بحيث تبث يوميا خصوصا خلال الشهور الأولى عشرات المرات. لاينافس “لاخبر لا جفية” سوى حفلات جبار عكار وربابته الشهيرة وترداده بلا ملل ولا كلل “ياذيب ليش تعوي” و”هلي مالبسوا خادم سملهم” مع “أنة” طويلة تحولت الى أيقونة في عالم الغناء البدوي لاتضاهيها سوى أشهر “بحتين” في الغناء الريفي أولهما بحة داخل حسن حين يبحث مع سورية حسين عن “الصدك” بين الناس فلم يجده, وبحة زهور حسين عندما تعلي “التون” وهي تصدح “لولا الغرام حاكم”.بقي داخل حسن يبحث عن الصدق فلم يجده وبقي حضيري أبو عزيز يسأل عن سعر الورد حيث إشتهرت أغنيته “عمي يبياع الورد” وإستمر سؤال جبار عكار بلا إجابة “ياذيب ليش تعوي” برغم أن شاعرا فحلا مثل أمرؤ القيس أجاب قبل أكثر من 16 قرنا على هذا السؤال حين خاطب الذئب “كلانا إذا مانال شيئا أفاته .. ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل”.

هزال الذئب ناتج عن كبريائه وكرمه وعفته. مات البكر, ومات جبار عكار, وأعدم صدام حسين ولاتزال الأسئلة ذاتها .. أين “الصدك” الذي يبحث عنه داخل حسن وسورية حسين؟ وكم سعر الورد بلغة حضيري أبو عزيز؟ ولماذا يعوي الذئب؟

البنفسج

لم نغادر أيام البنفسج بعد.

فمنع البكر أغنية البنفسج لم يحل دون بقاء ياس خضر يردد “مامش بمامش وللمامش يميزان الذهب وتغش وحبك” بينما تحولت أغنية عباس جميل “ماني صحت يمه أحاه جاوين أهلنه” الى لازمة ثابتة في نوادي بغداد وحفلاتها وأعراسها أيام لم يكن ظهر بعد المحتوى الهابط وقانون تعظيم موارد البلديات بمنع الكحول الى الحد الذي سرقت فيه قضية منع الكحول نبوءات العالم الهولندي حول الزلازل بعد أن أضاف درجة الى مقياس ريختر المؤلف من 9 درجات فأصبحن عشر طبقا لآخر توقعاته التي نتمنى أن لاتصدق.

ولأن الاخبار العاجلة أيام البنفسج كانت نادرة بسبب قلة محتويات البث التلفازي والإذاعي حيث التلفزيون واحد والإذاعة واحدة ووكالة الأنباء واحدة فإن مذيعي التلفزيون يومذاك لم يستقبلوا أخبارا عاجلة الإ ماندر.

ولقد حصل هذا الذي ندر حين دسوا من غرفة الأخبار الى غرفة البث الى مذيع النشرة خبرا عاجلا أضطروا الى كتابته على الورقة التي كان مكتوبا فيها أسعار الفواكه والخضر.

ولمن لا يعرف من أبناء الأجيال الجديدة فإن التلفزيون كان يذيع يوميا قائمة بأسعار الفواكه والخضر حتى لايحصل تلاعب في علاوي الخضروات, كما كان يذيع الصيدليات الخافرة في العاصمة والمحافظات. وحين وصلت الورقة الى المذيع الذي لم ينتبه الى قفا الورقة فقد وجد أن عليه إذاعة أسعار الفواكه والخضر بحيث قال .. أعزائي المشاهدين .. جاءنا الآن مايلي . سعر كيلو الطماطة كذا وسعر الباذنجان كيت.

ووسط دهشة منسق النشرة وخوفه من العواقب التي لم تكن آنذاك سليمة طلب منه بإلحاح أن يقلب الورقة لكن المذيع فهم من هذه الإشارة أن عليه تكرار أسعار الفواكه والخضر فما كان منه الإ أن قال .. أكرر .. سعر الطماطة كذا وسعر البطيخ كيت.

قامت الدنيا ولم تقعد. مع ذلك فمن حسن حظ المذيع لم يكن وقتذاك سوشيال ميديا والإ لتحول الى “ترند”. كان كل شيء مستورا بحيث أن وحيدة خليل كانت تتسامر مع خلها على ضوء القمر”أنا وخلي تسامرنا وحجينا.. نزهة والبدر شاهد علينا”.

أما مظفر النواب مؤلف البنفسج الممنوع يأمل بإنتهاء أيام اللف بعد أن إنتهت أيام المزبن فليس أمامك سوى أن.. “تدك راسك بكاع العرس وتصعد .. مراجف للدف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى