مقالات

” إذا كان ثمن الخبر أو التقرير هو حياتك نفسها فلا نريد منك خبرا”

الكاتب : د.محمد فلحي

يتساءل صديقي الصحفي:هل أن قرار الحكومة بتقليص دوام الموظفين بنسبة50% في جميع دوائر الدولة،نتيجة لأزمة فايروس كورونا، يشمل العاملين في المؤسسات الإعلامية،وكيف يمكن تطبيقه إذا كان العمل الصحفي يعد نشاط إبداعي لا يحتمل البديل ولا القسمة على اثنين،كما هي الحال في الوظائف الإدارية العادية؟!

لا أمتلك الإجابة بالطبع،ولكنني أضفت لسؤاله:ما دامت الوظيفة الإعلامية تفرض على الإعلامي الحضور الميداني في وسط الأحداث الساخنة والأماكن الخطيرة،فهل هناك مخصصات خطورة للمراسلين، وهل هناك تأمين على حياتهم وصحتهم،ومن يتحمل ذلك؟!

هذه التساؤلات لا بد أن تذكرنا بخطورة المهنة الإعلامية وضحاياها الكثيرين الذين دفعوا حياتهم من أجل الحق والحقيقة،ولكن سرعان ما ينساهم المجتمع وتقيد الجريمة ضد مجهول!

في الحروب والأزمات يكون الإعلامي في الواجهة عادة، وتعد الصحافة في مقدمة المهن الأكثر خطورة في العالم كله،ويشير تقرير منظمة(مراسلون بلا حدود) للعام الماضي إلى مقتل نحو خمسين صحفياً في دول العالم التي تشهد نزاعات وأزمات،حيث تتراجع في الأغلب حرية العمل الإعلامي،وتزداد القيود على النشر والتعبير،بحجة الحفاظ على السلم الاجتماعي،وفي العراق كانت وما زالت ظروف العمل الإعلامي تشهد تراجعاً،وفق القوائم، التي تصدرها سنوياً المنظمات المعنية،وذلك نتيجة الأوضاع السياسية المتأزمة،على الرغم من أن المناخ الديمقراطي المفترض وفر مساحة واسعة غير مسبوقة لحرية التعبير،وذلك بالمقارنة مع العهود السابقة.

المشهد الإعلامي العراقي يقدم نماذج مختلفة وإتجاهات متباينة حول التغطية الخبرية والتحليلية، لأحداث ساخنة وأزمات مستمرة، ومن ثم فإن مستوى الخطورة على حياة الإعلامي يتغير حسب الموقف من تلك الأحداث بين التأييد والرفض والصمت والتجاهل!

المؤسسات الاعلامية تبدو متهمة بالتقصير في توفير الحماية لكوادرها في ظل الأزمات،وبعضهم يفقد حياته أو عمله أو مستقبله نتيجة اللامبالاة من قبل الإدارات،التي تحيطها شبهات بالانحياز،ولا شك أن ثمن الانحياز يدفعه غالباً المراسلون في الميدان أو الإعلاميون المشهورون على الشاشة، الذين تكون صدورهم عارية أمام الرصاص القاتل في حين تكون الإدارات الموجهة بعيدة عن الخطر والتهديد، وبخاصة إذا كانت خارج العراق في أماكن آمنة!

أما الصحفيون أنفسهم فيمكنهم تجنب الخطر بطرق متعددة،تقتضي التدريب على كيفية الوقاية الأمنية والحفاظ على الحياة،وتوفير معدات الحماية مثل السترة المضادة للرصاص والخوذة وكمامات الغاز والسيارة المصفحة والسلاح الشخصي المرخص،وتقدير المسافات المناسبة للتغطية الميدانية وتحديد المكان والحركة والتنسيق مع القوات الأمنية وغيرها من الإجراءات التي تحد من مخاطر المهنة الإعلامية.

في أزمة كورونا يكون مصدر الخطر الفايروس اللعين وليس الرصاصة الغادرة،وهو يستهدف الجميع بدون استثناء،لكن نسبة الخطورة تتزايد على الأشخاص الذين ينشطون في الميدان ويقتربون من الأشخاص المصابين،ومن ثم يجب معاملة الصحفيين، مثل الكوادر الطبية والصحية من حيث المخصصات المالية والوقاية والحماية، طالما حرصوا على توفير الأخبار والحقائق كاملة للناس،بدون نسب مئوية،فالتوعية والإرشاد والمعلومات الطبية تمثل جبهة الحرب الجديدة ضد كورونا،والإعلاميون هم جنودها المجربون من قبل في ساحات دحر الإرهاب!

أخيراً،يجب أن يتذكر الصحفي هذه القاعدة الذهبية:” إذا كان ثمن الخبر أو التقرير هو حياتك نفسها،فلا نريد منك خبراً، لأنه سيكون عن وفاتك”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى