مقالات

ابيض اسودالنزاهة المجتمعية: شيخ وسركال ومهوال!!

مازن صاحب

فيما اعترفت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تبنتها هيئة النزاهة للأعوام الأربعة المقبلة بظواهر الفساد المجتمعي، غادرت هذه الاستراتيجية تلك البرامج الكفيلة بتنمية النزاهة المجتمعية كبديل مقابل للفساد المجتمعي، المتمثل اليوم فيما يعرف بظواهر ( شيوخ ما بعد 2003 ) او ما يعرف بشيوخ ( مفاسد المحاصصة) ولعل نقطة الانطلاق الحقيقية لمثل هذه البرامج المغيبة كليا عن تطبيقات تلك الاستراتيجية تتمثل في المسؤولية المجتمعية التي لها عدة تعاريف منها التعريف الشائع من قبل مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة ( تعهد من قطاع الأعمال بالمشاركة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال العمل مع العاملين وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والإقليمي بغرض تحسين جودة حياتهم) وقد فسر المعهد الدولي للتنمية المستدامة مصطلح المسؤولية الاجتماعية في إطار التنمية المستدامة (أن تسهم معايير أو مقاييس المسؤولية الاجتماعية في تعزيز الركائز الثلاثة لتحقيق التنمية المستدامة وهي التنمية الاقتصادية و التنمية الاجتماعية والحماية البيئية ). بل هناك معيارا دوليا أطلقته المنظمة الدولية للمواصفات القياسية (ISO) في 1 تشرين الثاني 2010 بخصوص المسؤولية الاجتماعية والهدف منه المشاركة في عملية التنمية المستدامة العالمية من خلال تشجيع الشركات والمنظمات الحكومية على المشاركة في ممارسة المسؤولية الاجتماعية لتحسين أوضاع العاملين في القطاع العام والخاص وقامت مؤسسة العمل من أجل النزاهة وشركائها باستخدام هذا النهج في (10) دول منذ عام 2010، حيث عملوا على تدريب أكثر من 2,500 عضو من أعضاء المجتمعات الذين قاموا برصد ما يزيد على (850) مشروع. وأعدوا نماذج طلبات للحصول على المعلومات، وجمعوا البيانات حول مشاريع التنمية من خلال زيارة المواقع التي قاموا بتصويرها، إضافة لتقييم عقود وخطط المشاريع، وإجراء مسح للمستفيدين من هذه المشاريع، وتبادل ما توصلوا إليه من معلومات مع الأطراف المعنية الذين عملوا معهم على معالجة المشاكل الموجودة، كما قاموا بحل مشاكل في أكثر من 50 % من المشاريع التي تم تحديد مشاكل فيها.كل هذه التجارب الدولية التي تندرج ضمن اهتمامات الدول والهيئات المتخصصة بالنزاهة من اجل الاستجابة الفضلى لمتطلبات احكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ما زالت مغيبة عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد عراقيا لأسباب تتعلق أصلا بالفساد السياسي الذي أيضا اعترفت الاستراتيجي بفضائل وجوده واثاره السلبية على الأداء الوظيفي للجهاز الحكومي، فيما لم تسع هذه الاستراتيجية للتعامل مع ثالوث مظاهر الفساد المجتمعي في تأسيس برامج حوكمة مجتمعية تعتمد نفاذ القانون على تأصيل صفة الشيخ ضمن مقياس مجتمعي متوارث يفرق بين وجيه القوم وشيخهم ومسؤوليات كل منهم في نبذ الأفعال المشينة وغير الرافضة لمفاسد المحاصصة ، وجنحيها الذي تطير بهما كل من( السركال) بالمفهوم المعاصر للجحوش الالكترونية والسلاح المنفلت في تكميم افواه الأغلبية الصامتة، ناهيك عن وعاظ مفاسد المحاصصة من ( المهوال) سواء في نموذجه العشائري المباشر او غير المباشر في نماذج متعددة مما يعرف بالمحللين السياسيين الذين يخضون في كل موضوع تحت عناوين لا تنسجم مع النزاهة المجتمعية المنشودة والسلم الأهلي المطلوب !! ولان اصل النزاهة المجتمعية تتعامل مع تنشئة الاجيال فان برامج النزاهة المدرسية والجامعية والتي لها منظومة عمل خاصة وفق معايير الشفافية الدولية وشبكة النزاهة والشفافية العربية، ما زالت مثل هذه البرامج مقتصرة على فعالية هنا وأخرى هناك في عدد من الكليات لبعض الجامعات العراقية من دون ان تتبنى وزارتي التربية والتعليم العالي مثل هذه المنظومة القيمية من التنشئة للأجيال المقبلة بإشراف هيئة النزاهة ومنظمات المجتمع المدني القادرة على تدريب وتنفيذ مثل هذه البرامج، ويبقى ذات السؤال لماذا لم تتضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مثل هذه البرامج التأهيلية وغادرتها الى مواضيع لا يمكن اخضاعها للقياس في تعزيز النزاهة المجتمعية التي تقابل ما اعترفت به بوجود الفساد المجتمعي، سؤال ربما يجد من وافق على هذه الاستراتيجية في رئاسة الوزراء وهيئة المستشارين ناهيك عن العاملين في قسم الحوكمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين قدموا الاستشارات لواضعي هذه الاستراتيجية الإجابة عليها ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى