مقالات

اتركوا لنا ربّاً نعبده

احمد عبد الحسين

في فاجعة مقام القطارة بكربلاء، كما في فواجعنا كلّها، وحده الأصمّ مَنْ لا يسمع صوت شيطان الفساد يقهقه عالياً. وراء هذه الكارثة فسادٌ وفاسدون، قد يكونون فاسدين صغاراً لكنهم من الأساتذة الساسة الكبار تعلّموا، وعندهم درسوا فنون جني المال بدم الناس وباسم الله.سننتظر طويلاً قبل أن يجيبنا أحدٌ على أسئلة من قبيل:

لمنْ هذا المقام؟ من يشرف عليه؟ من أمر بتوسعته مؤخراً ليكون الجزء الأوسع منه تحت صخرة كبيرة آيلة للسقوط؟ من المهندس الذي أشرف على البناء؟ هل قرأ أحد التحذيرات المتكررة التي أوردها مختصون من خطر انهيار المبنى؟ هل رأى أحد الشقّ الكبير في الصخرة؟ مَنْ المتعهد الصغير الذي يجبي أموال الفقراء من هذا المقام؟ ومن هو العتوي الكبير الذي يقف وراءه؟ لماذا تأخرتْ عمليات الإنقاذ؟ هل كانت فرق الإنقاذ مؤهلة؟ لمَ لمْ يكن هناك اهتمام رسميّ يتناسب وحجم المصيبة؟المقام مكان تعبّدٍ، لا شأن لنا بالنقاش الدائر حول شرعية المقام دينياً وتاريخياً فذلك ليس شغلنا، لكنْ كيف يسمح مسؤولو المدينة والكبار في المؤسسة الدينية بأن يتعبد الناس تحت تلّة تريد أن تنقضّ عليهم؟كما في كل كوارثنا الجديدة، هناك عاملان اثنان يتكرران بصورة نمطية باتت مملة:

الجشع وهو الفساد الأصغر، واستخدام المقدّس لإشباع الجشع وذلك هو الفساد الأكبر.الجشع الوحش المنفلتُ بيننا يتحكم به من خلعوا ضمائرهم ولبسوا بدلات أنيقة، ويستثمرون باسم الله في كلّ شيء، في المزارات والمقامات، في الملاهي والبارات، في الرياضة والعقارات، في مزاد العملة وفي الدم والسمسرة والشذوذ والقتل والخطف وتجارة الجنس والتزوير وكل ما لا يخطر على بال الشيطان الذي علّمهم أوّل الأمر لكنه الآن تلميذهم.حين هتف محتجو 2015 في التحرير بهتاف “باسم الدين باكونا الحرامية”، أراد الفاسدون أن يوهموا الناس بأن الهتاف ضدّ الدين، والحقيقة أن الهتاف تنزيه للدين ورفض لأن يصبح أداة في يد شياطين الإنس هؤلاء. ملخص الهتاف أنك إذا أردت أن تسرق فلا تسرق باسم الله، وإذا أردت أن تقتل فلا تقتل باسم الله، وإذا أردت أن تجبي الأموال من حراستك الملاهي والمواخير فلا تفعل ذلك باسم الله، وإذا أردت أن تبني مقاماً دينياً على شفا جرف هارٍ ينهار بالفقراء المساكين فتقتلهم فلا ترتكبْ هذا الجرم باسم الله. كنْ كما يليق بك مجرماً ضئيلاً عابد مال مشغولاً ببطنك وفرجك، لكنْ افعلْ كل ذلك باسمك لا باسم الله.لقد شوهتم الدين والقداسة وعلاقة الإنسان بالغيب. يا مَنْ أخذتم كلّ شيء، اتركوا للناس ربّاً يعبدونه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى