مقالات

اطلاق التصنيفات الخاطئة

فاتح عبدالسلام

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬عدة،‭ ‬كنت‭ ‬أحد‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬بالمغرب‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات،‭ ‬وقدم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬المستمرة‭ ‬بين‭ ‬الاعلام‭ ‬والحكومات‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صحافي‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬اتحفظ‭ ‬على‭ ‬اسمه‭ ‬كوني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ظروفه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الحروب‭ ‬والتحولات‭ ‬والمصاعب،‭ ‬تحدث‭ ‬بحماس‭ ‬منتقداً‭ ‬إجراءات‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬آنذاك‭ ‬بزعامة‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬صالح،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬وكانت‭ ‬مشاركة‭ ‬الصحفي‭ ‬اليمني‭ ‬نقلا‭ ‬عالي‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬التشخيص‭ ‬والحلول‭ ‬المقترحة‭ ‬لحرية‭ ‬الاعلام‭ ‬والانفتاح‭ ‬الحكومي‭. ‬وحين‭ ‬التقيته‭ ‬على‭ ‬العشاء،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬انّ‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬يقدم‭ ‬صحفي‭ ‬مثلك‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬معارض‭ ‬هذه‭ ‬الاطروحة‭ ‬الناقدة‭ ‬لإجراءات‭ ‬الحكومة‭ ‬وحزب‭ ‬آخر،‭ ‬فكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬ان‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ببساطة‭ ‬انه‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬صالح‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬آخر‭

.‬‭ ‬لا‭ ‬ادري‭ ‬ماهي‭ ‬دوافعه،‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬شخصية‭ ‬او‭ ‬انشقاقية‭ ‬او‭ ‬إصلاحية،‭ ‬فتلك‭ ‬من‭ ‬النيات‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬أي‭ ‬شخص،‭ ‬لكن‭ ‬الظاهر‭ ‬من‭ ‬كلامه‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬يمني‭ ‬وأفكار‭ ‬تنحاز‭ ‬لوطنه‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ .‬الحادثة‭ ‬الصغيرة‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬طوتها‭ ‬الأيام،‭ ‬استدعتها‭ ‬ذاكرتي‭ ‬وانا‭ ‬اشهد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العرب‭ ‬الأخرى‭ ‬أحيانا‭ ‬انّ‭ ‬هناك‭ ‬تجاذبات‭ ‬وتصنيفات‭ ‬قسرية‭ ‬توضع‭ ‬على‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬رأي‭ ‬مخالف‭ ‬لحزب‭ ‬او‭ ‬حكومة،‭ ‬فتقوم‭ ‬جهات‭ ‬مقابلة‭ ‬بتصنيف‭ ‬صاحب‭ ‬الرأي‭ ‬بالمضاد‭ ‬والمعارض‭ ‬واحياناً‭ ‬بالعدو‭ ‬الواجب‭ ‬الخلاص‭ ‬منه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬انه‭ ‬الرجل‭ ‬يقدم‭ ‬أفكارا‭ ‬لنهضة‭ ‬بلده‭ ‬قد‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬او‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬زعيم‭ ‬حيناً‭ ‬وقد‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬منهجهم‭ ‬أحياناً،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬الدوافع‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬الشخصنة‭ ‬والتصنيف‭ ‬القسري‭ ‬التي‭ ‬يفترضها‭ ‬ويفرضها‭ ‬الآخرون‭. ‬لا‭ ‬أبالغ‭ ‬اذا‭ ‬قلت‭ ‬انّ‭ ‬هناك‭ ‬وسائل‭ ‬اعلام‭ ‬عالمية‭ ‬تلفزيونية‭ ‬واذاعية‭ ‬أيضاً‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬الخاص‭ ‬بحسب‭ ‬تصنيف‭ ‬انّ‭ ‬فلاناً‭ ‬معارض‭ ‬لحكومة‭ ‬بلده‭ ‬لمجرد‭ ‬انه‭ ‬انتقدها‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬صاحب‭ ‬الرأي‭ ‬سبق‭ ‬انه‭ ‬قال‭ ‬آراء‭ ‬أخرى‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬رؤى‭ ‬حكومية‭ ‬كانت‭ ‬ناجحة‭ ‬ومفيدة‭. ‬

هذا‭ ‬التقنين‭ ‬في‭ ‬التوصيفات‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬مسار‭ ‬ديمقراطي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬البلد‭ ‬عريقاً‭ ‬في‭ ‬الديمقراطية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى