مقالات

الأطفال ضحايا الطلاق و”كورونا” وحرمانهم من حق المشاهدة


الكاتب القاضي خالد الاعرجي

تسبب قرار اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية بفرض حظر التجوال في انحاء البلاد كافة بإيقاف “المشاهدة والاصطحاب” مؤقتا كواقع حال جراء انتشار جائحة كورونا في إلقاء آثار نفسية سيئة واسعة على الأطفال من عائلات منفصلة “مطلقة” حيث ان القرار المذكور قد منع الاباء من زيارة اطفالهم لغرض مشاهدتهم لدى الام الحاضنة سواء كانت المشاهدة تحصل في المحكمة او في مديرية التنفيذ او في احدى منظمات المجتمع المدني الخاصة برعاية الاسرة والطفل، حيث ان الام الحاضنة ترفض تسليم المحضون لوالده “للمشاهدة الطوعية” بحجة البقاء في المنزل بسبب الفيروس المنتشر وقطع الطرق العامة والمواصلات بسبب الحظر الصحي المفروض.

وفي النهاية دائما ما يدفع الطفل ضريبة قرار الطلاق، وبالتالي فأن المشكلة تتشعب بين الوالدين المطلقين ويتم التعاطي معها من قبل الاباء بأشكال مختلفة حيث ان بعضهم يتهمون مطلقاتهم بالتعنت والتعمد في عدم تنفيذ قرارات محكمة الاحوال الشخصية المتعلقة بالمشاهدة وحق الاصطحاب، كما ان بعض الامهات يتهمن الاباء باستغلال فترة حظر التجوال بعدم قدرتهن على الحضور في مواعيد المشاهدة وخوفهن من عدم حضورهن خمس مرات متتالية قد تكون سببا في اسقاط الحضانة عنهن حسب قرار سابق لمحكمة التمييز الاتحادية الموقرة بهذا الشأن، ولهذا فأن مجلس القضاء الاعلى الموقر قد عمل جاهدا على تطوير روحية احكام قرار رقم ٦ في ١٩٩٢/١/٦ بما يتلاءم ومتغيرات المجتمع العراقي نظرا للانفتاح الكبير وتزايد المشاكل الاسرية وارتفاع حالات الطلاق غير المبرر في الاونة الاخيرة.

حيث قرر جعل زمان المشاهدة في ايام العطل الرسمية كالجمعة السبت حصرا من كل اسبوع مراعاة لظروف المحضون فيما اذا كان لا يزال تلميذا في المدرسة او في الروضة وكذلك ووالداه فيما اذا كانت لديهما التزامات وظيفية حكومية كانت او اهلية بغية فسح المجال امامهم وان وقت المشاهدة اصبح يمتد لاكثر من سبع ساعات متواصلة في كل مرة تكون فيه المشاهدة مع حق الاصطحاب بعدما كانت سابقا” لمدة ساعتين فقط ومن دون الاصطحاب.

ان الحكم القضائي الصادر بحق المشاهدة والاصطحاب لا يمنع من ان تكون العلاقة الزوجية لا تزال قائمة او قد انتهت بأيقاع الطلاق او الفرقة بينهما وهو يكون اما بأتفاق الطرفين ” الزوجين ” او ” الطليقين ” وفي حال اصرارهما على عدم الاتفاق فيكون ذلك للمحكمة مع مراعاة الاصلح والانسب للمحضون والحاضنة من حيث الزمان والمكان وعدد مرات المشاهدة وعمر المحضون، حيث ان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة في قرارها الصادر بالعدد ٩٠١ / هيئة الاحوال الشخصية والمواد الشخصية / ٢٠٢٠ في ٢٠٢٠/١/٢١ الذي منح للأب حق المشاهدة فقط دون الاصطحاب اذا كان عمر المحضون أقل من سنتين، لانه من اجل تحقيق الاصطحاب الغاية المرجوة منه لزيادة التراحم والود الابوي وذلك لعدم ادراك المحضون بهذا العمر وبالتالي لا يكون للاصطحاب ذي جدوى، اما اذا تعدى عمر المحضون اكثر من سنتين فأن للأب حق المشاهدة والاصطحاب معا، نجد انها قد طبقت روح القانون وبشكل سليم وبأبعاد انسانية مراعاة لمعاناة الاب وبعده عن تربية ابنائه، خاصة بعد زواج مطلقته من رجل اجنبي اخر، وكذلك معاناة الام اذا كان الاب هو الحاضن وزواجه من امرأة اخرى ومعاناة الطفل من العيش مع ” زوجة الاب ” كما تصورها الام المطلقة.

ولحرص المجلس الموقر على توفير المكان الملائم لتنفيذ احكام المشاهدة التي تسهم في ضمان الاستقرار الاجتماعي والنفسي للطفل من خلال اعطائه حقه في رؤية والديه ضمن بيئة آمنة وصديقة للطفل، حيث نجد احقية مجلس القضاء الاعلى الموقر عندما اعتبر مديرية التنفيذ هو مكان غير مناسب وغير ملائم للمشاهدة، والنص صراحة على حق الأب في الاصطحاب خلال ساعات المشاهدة بعد استلام المحضون من حاضنته في المحكمة وفق الية جديدة وميسرة تنظم كيفية استلام المحضون وتسليمه في موعد المشاهدة حيث نالت ارتياح وثقة المواطنين بهذه الاجراءات، التي قد خففت نوعا ما من حدة الخلاف بين الازواج او المطلقين، ومما لا شك فيه ان حكم المشاهدة قد اصبح سلاحا باليد الممسك بالاطفال ليعاقب الطرف الاخر في حرمانه من حق المشاهدة لاطفاله بسبب الكيد بالطرف الاخر او الضغط عليه، وان الغريب في الامر ان الطرفين المتنازعين هما زوجان سابقان نسيا الفضل بينهما وتناسيا العشرة ويحسبان انهما يحسنان الصنع في نكران المعروف بينهما وها هما يخسران ابنائهما بسبب سوء التفاهم على موضوع المشاهدة، حيث جاء الكثير من الاباء يشكون حرمانهم من رؤية فلذات اكبادهم وتدمير نفسيتهم ونفسية ابنائهم واذلال بعض النساء لهم في مشاهدة الابناء وتشكو النساء الرجال في انهم لا يلتزمون بالمشاهدة وان التزموا بذلك جعلوا من مشاهدة الاطفال تدميرا” لسلوكياتهم، واما الاطفال في ضياع بسبب الوالدين وخلافاتهما، وحيث ان المشرع العراقي كان موفقا” عندما سمح للوالدين من اقامة دعوى المشاهدة والاصطحاب اثناء قيام العلاقة الزوجية او بعد الفرقة والطلاق وان حق المشاهدة ينتقل الى الجد والجدة بعد وفاة صاحب الحق بذلك لان الاساس من حق مشاهدة الطفل حتى يتمكن فيه بقية اهله من معرفته ورؤيته وابقاء صلة الرحم بتواصل مستمر من دون انقطاع اتخاذا من الثوابت الانسانية لسماحة الاسلام الحنيف خلافا” لما ذهبت اليه بعض التشريعات العربية المقارنة التي حصرت حق المشاهدة للوالدين حصرا وفي حالة الطلاق فقط وحرمت الجد والجدة من مشاهدة حفيدهم عن طريق اقامة الدعوى وانما لا تتم المشاهدة الا برغبة حاضنة الطفل وموافقتها الطوعية وبذلك يبقى الاجداد تحت رحمة الحاضن او الحاصنة ولما في ذلك من اثار سلبية على تؤثر على تربية ونفسية الطفل المحضون مستقبلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى