مقالات

الإعلام المغرض يقود الحياة السياسية

علي الشكري

يتفق كل عارف بمعنى الديمقراطية الحقيقي على أن الإعلام الحر ركن في الدولة القانونية ، وعنصر في بناء الحياة الدستورية ، ومستلزم لتشييد بلد ناهض يدور كل في فلكه بحركة دؤبة ، وبالقطع أن الإعلام كونه موجه أو حر هو دليل الدولة ، ديمقراطية أو شمولية ، بلحاظ التلازم بين طبيعة الإعلام وتصنيف الدولة . في عراق ما بعد 2003كان الإعلام المحطة الأولى لقادة الحياة السياسية ، ليس رغبة وإيماناً وتطلع ، لكن بفعل الفوضى التي رافقت البناء الجديد ، فالحدود متاحة ، والسلاح منتشر ، والتهريب في أوجه ، والإرهاب يصول ويجول ، والمؤسسات الدستورية مستباحة لكل متطلع ، والوظيفة العليا متاحة للفاسد والفاشل والمزور ، المال منهوب ، والثروة مهربة ، والساحة متاحة للجاسوس والطامع والمتطلع والحاسد وأصحاب الثأر !!!!! وصاحب القرار تتلاقفه المؤمرات ويحكم حركاته الوافد ، ويرسم قراراته الفاتح ، وتضبط بوصلته القومية والطائفة والعرق ، والجار يقاطع والإقليم يتأمر والعالم يصد والطامع يتمدد .اظهار السلبياتوفي خضم الازمة وثنايا البناءات وخفايا المحركات ووهن الخلفيات وضعف الخبرات ، اجتاحت العراق موجة إعلامية لا يفقه خفاياها الا المخططون ولا يعرف نواياها الا الراسمون ، ولا يعلم تمــــويلها الا الممولون والقابضون ، أما المنفذون فغرهم الظهور ، وأغواهم الدولار ، وقادهم الانتشار وغرتهم السطوة وحركتهم الشخصية ، ولم يضبط إيقاعهم لا دين ولا قومية ولا طائفة ، فالاستهداف توجيههم ، واظهار السلبيات بوصلتهم ، وقتل الإشراقات هدفهم ، وبث الفرقة غايتهم .وطن ليس فيه مشيد ، ومتصدي ليس من بينهم نزيه ، وقائد ليس من بينهم كفؤ ، ومؤسِس ليس فيهم الوطني ، الجميع وافد فاسد مدسوس مخرب تابع !!!!!! ويقيناً أن المتتبع لحركة البناءات الجديدة التي تعقب الشموليات ، يجد ما يحدث في العراق ليس مستغرب ، فتعارض المصالح ، وتشبث ازلام الراحل ، واندفاع رجالات القادم ، وتدافع المحاذي والإقليم وصاحب الثأر ، وفراغات مؤسسات الدولة ، وشغور المناصب ، وحكم الخلفيات ، وضبابية المشهد ، ومجهول القادم ، كلها مسببات للفوضى والاضطراب وربما الإخفاق ، لكن اللافت في العراق طول المدة، وبعد الأجل ، وتفشي الظلامات ، وتتابع الانكسارات ، وتراجع الإشراقات ، حتى ضج الشعب ، وتحرك الحر ، وتطلع الباحث عن الحياة الكـــــــريمة ، فقد استُقبل القادم الجديد بالتهليل ، وتبع موكبه الموالي ، ورافق مسيرته الباحث عن الغد ، وصبر على أخطائه المظلوم والمقهور والمضطهد ، والحصيلة فشل وفساد وتراجع في الخدمات ، انتهى الى خروج عن الطاعة ، وتراجع في الشعبية ، ويأس من التصحيح ، وصد عن كل مبادرة ، وشـــك في كل شعار ، وريبة في كل عمل . وبالقطع أن الإعلام المغرض لم يكن بعيداً عن التضليل ، ولا بريء من التشويه ، ولا منزه عن الدس ، ولا مستتر عن التأجيج ، يُحرّض في رابعة النهار ، ويشوه في عين الحقيقة ، ويغير القائم ، ويقيم الوهم ، ويحول الحق باطلاً ، وينصب الباطل حقاً ، واليائس يتلقف ، والمكبوت يتنفس ، والباحث عن الظهور يؤكد ، والراغب في منصب أو مكسب أو ميزة يُقبل مندفعاً ، غير متحسب ولا متهيب ، فالهدف وما دونه مقبول . في العراق تحول شهر الطاعة الى موسم للتأزيم السياسي ، وفصل للتصعيد الإعلامي ، ووقفة لتعميق الخلاف البيني ، إذ راحت بعض الفضائيات تستضيف الصقور ، وتجذب المأزومين وتستقطب من صّد عنه النزيه والوطني وصاحب المشروع ، ويقيناً أن من شحت فيه الوطنية ، وجدب عنده الولاء ، وقحط في نفسه الخير ، لن يلجم لسانه المأجور وطن ، ولا يحد قلمه المسموم مصير ، وبالقطع أن لا غرابة في وعاظ المشاريع ، وخونة القضية ، ومأجوري اللسان ، ففي الوطن الغث والسمين ، الكريم واللئيم ، الوطني والعميل ، لكن الغرابة كلها في متصدي صامت ، ومسؤول ساكت ومعني متغافل ، فالساكت عن استهداف الوطن شريك متواطئ ، فخيط ابيض يفصل بين الحرية والفوضى ، والنقد والاستهداف ، والتسامي والتآمر ، وعلى المعني المتغافل ، ومدعي الوطنية ، أن يعلما كل حسب ثمنه ، أن الوطن انفس من نسبة في استثمار ، أو فلـة في غربة أو رصيد في بنك ، أو حفنة دولارات عن لقاء ، فاللص مكشوف وان اعتـــــــقد استتاره ، والعميل مفضوح وإن ظن ذكاؤه ، ولكل حسابه وإن بعد عقابه ، فالوطن باق ، والتاريخ يسجل والحساب يجمع ، والعاقبة لأبن الوطن ، والعار لمن خان وباع وتآمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى