مقالات

الإنقاذ‭ ‬وسطل‭ ‬الرمل

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

‭ ‬حين‭ ‬وقعت‭ ‬كارثة‭ ‬غرق‭ ‬العبّارة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬غرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬انسان‭ ‬في‭ ‬دقائق،‭ ‬واكتشف‭ ‬الجميع‭ ‬انّ‭ ‬إدارة‭ ‬المحافظة‭ ‬التي‭ ‬تعدادها‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬وتقع‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬النهر‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬سوى‭ ‬زورق‭ ‬واحد‭ ‬للشرطة‭ ‬النهرية‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬في‭ ‬الإنقاذ‭.

‬واليوم‭ ‬حين‭ ‬وقعت‭ ‬كارثة‭ ‬الزلزال‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وسوريا،‭ ‬فإنَّ‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬اتجهت‭ ‬الأنظار‭ ‬اليه،‭ ‬هو‭ ‬الإمكانات‭ ‬العملية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬ومستلزمات‭ ‬حفر‭ ‬لإخراج‭ ‬آلاف‭ ‬الأرواح‭ ‬العالقة‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬وهناك‭ ‬فرص‭ ‬في‭ ‬بقائهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬

تركيا‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها‭ ‬الصناعي‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬عمليات‭ ‬الإنقاذ‭ ‬بنفس‭ ‬الوتيرة‭ ‬والسرعة،‭ ‬فما‭ ‬بال‭ ‬سوريا‭ ‬المنكوبة‭ ‬بحرب‭ ‬طويلة‭ ‬استنزفت‭ ‬جيلا‭ ‬كاملاً،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تشهد‭ ‬انقساماً‭ ‬مريراً‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬انقسمت‭ ‬ضرباته‭ ‬وفجائعه‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬المتنازعين‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬ومعارضة،‭ ‬وكلا‭ ‬الجانبين‭ ‬لا‭ ‬يمتلكان‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬عملياتي‭ ‬وانقاذي‭ ‬مؤهل‭ ‬للطوارئ،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الوضع‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحفر‭ ‬العشوائي‭ ‬والإمكانات‭ ‬البدائية‭ ‬لفرق‭ ‬دفاع‭ ‬مدني‭ ‬غير‭ ‬مجهزة‭ ‬بما‭ ‬يناسبها‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬وعدد‭. ‬

هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬المؤلمة‭ ‬تسترعي‭ ‬الانتباه‭ ‬لكي‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬كل‭ ‬محافظ‭ ‬او‭ ‬رئيس‭ ‬وحدة‭ ‬إدارية‭ ‬او‭ ‬وزير‭ ‬منذ‭ ‬الصباح‭ ‬مستعرضا‭ ‬إمكاناته‭ ‬الفعلية‭ ‬الكفيلة‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أجل‭ ‬معلوماً‭ ‬لها،‭ ‬وتأتي‭ ‬بغتة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬الحكم‭ ‬والحكومات‭ ‬والسياسيين‭ ‬الذين‭ ‬يعتلون‭ ‬المناصب‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يجد‭ ‬ألف‭ ‬عذر‭ ‬للسوريين‭ ‬الذين‭ ‬نكبتهم‭ ‬الحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬بلادهم،‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أيّ‭ ‬عذر‭ ‬لمَن‭ ‬يحكم‭ ‬العراق،‭ ‬وهو‭ ‬بلد‭ ‬تعافى‭ ‬نسبيا‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬وغني‭ ‬الموارد،‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تقصير،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬واستحضار‭ ‬وسائل‭ ‬الدعم‭ ‬والإنقاذ‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬المناسبة.‭

لا‭ ‬تزال‭ ‬الصورة‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬إمكانات‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬الجسيم‭ ‬ان‭ ‬نظل‭ ‬نتوهم‭ ‬ساذجين‭ ‬انّ‭ ‬مستلزمات‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬محافظة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬سطلان‮»‬‭ ‬من‭ ‬الرمل‭ ‬ومعول‭ ‬أكلَه‭ ‬الصدأ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وخرطوم‭ ‬ماء،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬مرتبط‭ ‬بحنفية‭ ‬ضخ‭ ‬صالحة‭ ‬للعمل.‭

‬‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تعيد‭ ‬الحكومة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الخطير،‭ ‬فالبلد‭ ‬مُعرّض‭ ‬في‭ ‬اية‭ ‬لحظة‭ ‬لكارثة‭ ‬ما‭ ‬طبيعية‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬البشر،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الحرائق‭ ‬في‭ ‬الصيف‭ ‬الماضي‭. ‬ولابدّ‭ ‬من‭ ‬استنهاض‭ ‬مفهوم‭ ‬جديد‭ ‬للدفاع‭ ‬المدني‭ ‬له‭ ‬سياقات‭ ‬وإمكانات‭ ‬عملية‭ ‬وآلية‭ ‬قرار‭ ‬سريعة‭ ‬وصلات‭ ‬تنسيق‭ ‬مع‭ ‬المستشفيات‭ ‬وإمكانات‭ ‬الاسعاف،‭ ‬تتجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬المعول‭ ‬المتآكل‭ ‬وسطل‭ ‬الرمل‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى