مقالات

الاسلام السياسي يلفظ انفاسه الاخيرة

الكاتب : كاظم حبيب

قفزت القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية على كراسي الحكم في البلاد بدعم استثنائي وتصميم حازم من جانب الإدارة الأمريكية بقيادة المهووس بدوره لنشر الحرية الأمريكية بمعنى الهيمنة في العالم من جهة، ودعم مطلق من جانب البيت الصفوي بقيادة خامنئي الساعي إلى نشر الهيمنة الإيرانية على الدول ذات الأكثرية المسلمة في الشرق الأوسط وغرب آسيا، من جهة أخرى، وبمساعدة مباشرة من الحوزة الشيعية في النجف المتمثلة بالسيد علي السيستاني من جهة ثالثة. وكانت الجهة الرابعة تتمثل بالجهل والأمية السياسية اللذين عما البلاد بفعل هيمنة البعث المديدة ونظامه السياسي العنصري والطائفي المناهض للكرد وأتباع المذهب الشيعي من العرب والكرد الفيلية، وكل معارضيه من السنة وأتباع الديانات الأخرى كالمسيحيين والإيزيديين في غرب العراق ونينوى، وكذلك الصابئة المندائيين.

قفزت الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية إلى حكم العراق في أعقاب حرب مدمرة قادتها الولايات المتحدة بدعم دولي خارج إطار الأمم المتحدة وضد قرار مجلس الأمن الدولي الذي رفض تلك الحرب التي أُعلنت وشُنت في عام 2003 وجرى فيها تدمير كامل للبنية التحتية وما بقي من مشروعات اقتصادية وخدمية في البلاد. وكان هدف الولايات المتحدة الأمريكية ضمان تأمين الأرضية المناسبة لنشوب صراع قومي ومذهبي وتمييز ديني في العراق على المدى الطويل وإنقاذ إسرائيل من جيوش “ياجوج وماجوج!!!” العراقية، وبالتالي عجز الشعب عن توفير الأجواء المناسبة لوحدة الموقف ضد العنصرية والتمييز الديني والطائفية السياسية. وهو ما تحقق للولايات المتحدة خلال السنوات الـ 17 المنصرمة، ولكن تحققت في الوقت ذاته لإيران هيمنتها الفعلية على جميع مفاصل الدولة العراقي وسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضاء، إضافة إلى هيمنتها الفعلية على الإعلام ومصادر المال والميليشيات الطافية المسلحة.

وخلال السنوات الـ 17 المنصرمة برهن كل حكام العراق بما لا يقبل الشك عن عدد من السمات المميزة والأساسية:

1. تميزها بالذهنية القومية اليمينية والشوفينية، إضافة إلى التمييز الديني والمذهبي وسعيها المستمر لشق وحدة الصف الوطني معتمدة على الشعار المركزي للدول الاستعمارية العتيق والعتيد والمعتمد “فرق تسد”!

2. فرض هيمنتها الكاملة وأيديولوجيتها الإسلامية السياسية المتخلفة والطائفية على الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث وإعلامها الرسمي.

3. قيام الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة بتشكيل مؤسسات موازية للدولة العميقة التي تشرف عمليا على الدولة العراقية المهمشة والضعيفة، لاسيما تشكيل الميليشيات الطائفية المسلحة الموازية والمتشابكة مع القوات المسلحة والمسيطرة على قرارات القوات المسلحة، وكذلك المكاتب الاقتصادية التي تهيمن على اقتصاد البلاد ومعيشة الشعب.

4. فساد حكام العراق وجشعهم الشديد لا في تأمين حصول النخب الحاكمة على رواتب ومخصصات وامتيازات هائلة فحسب، بل ونهبها للمال العام والثروة النفطية بشتى السبل المتوفرة لها وعلى حساب معيشة الكادحين والفقراء والمعوزين من أبناء البلاد، إضافة إلى الفساد الإداري وتكريس المحسوبية والمنسوبية على حساب الإنسان العراقي المستقل والكفوء.

5. إهمالها الكامل للتنمية الاقتصادية، الإنتاجية منها والخدمية الأساسية كالكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات والسكن …الخ، ومعيشة الناس وتفاقم البطالة والفقر وزيادة تلوث البيئة، واهتمامها المطلق بمصالحها الأنانية.

6. تبعيتها الفعلية التامة لإيران وللمرشد الإيراني الديني الأعلى علي خامنئي وتنفيذ قراراته وتوصياته على حساب إرادة ومصالح الشعب العراقي وسيادة واستقلال البلاد. وإذا كانت في البداية قد اهتمت بتوصيات السيد علي السيستاني، فإنها في المحصلة النهائية لم تأخذ بتوصياته بل اعتمدت علي خامنئي الأجنبي لا غير.

وإذا كان بعض هذه السمات لم تظهر بوضوح كاف في السنوات السبع الأولى من حكم قوى الإسلام السياسي وبفضل تأييد المرجعية الشيعية لهم، فأن الوعي المدني الديمقراطي قد بدأ بالتحرك في عام 2010/2011 وبدأ التحرك الشبابي في ساحة التحرير ببغداد ومناطق أخرى من العراق، ولكن وجهت له ضربة سريعة عبر المستبد بأمره حاكم العراق الطائفي والتابع لإيران بامتياز نوري المالكي. إلا إن المالكي عجز عن حكم البلاد في عام 2014 حين سلم الموصل ونينوى، وهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، بخيانة كبيرة بانسحاب القوات المسلحة العراقية أمام عصابات داعش التي اجتاحت البلاد بـ 800 مسلح مجرم لا غير في مقابل جيش جرار ومسلح أحسن تسليح موجود في الموصل ونينوى. فأزيح هذا الرجل الذي قال “أخذناها بعد ما ننطيها!”، حين رفضه ولفظه الشعب، ولكن بقي الحكم بيد حزب الدعوة والبيت الشيعي المتخلف والطائفي والفاسد بفضل المساومة بين الولايات المتحدة وإيران وتأييد المرجعية الشيعية!

ولكن وبعد مرور 17 عاماً على حكم البلاد بواسطة هذه الطغمة الطائفية الفاسدة لم يعد الشعب قادراً على تحملها، فانفجر غضب الشبيبة العادل والمشروع أولاً، فكانت انتفاضة الأول من تشرين الأول، ثم التحقت بها فئات الشعب الأخرى ومن مختلف الأعمار ثانياً، وهي ما تزال متواصلة حتى الوقت الحاضر، إذ عبر الجميع عن وعي عميق بما حصل ويحصل في العراق على أيدي هذه الطغم الحاكمة المسيئة للشعب والوطن.

ان الانتفاضة التي اندلعت في الفاتح من تشرين الأول والنهج الذي اتبعته قوى الإسلام السياسي ومجمل الطغمة الحاكمة والحكومة برئاسة السفاح عادل عبد المهدي أكدت بقوة وسطوع السقوط المدوي لكل الأحزاب والقوى الحاكمة في مستنقع النتانة والعفونة، لأنها خانت الأمانة التي وضعت في عنقها: فقد برهنت على عدم احترامها الدستور ولإرادة الشعب، واستعدادها الكامل للتضحية بحياة بنات وأبناء الشعب لتأمين مصالحها الخاصة ومصالح أسيادها في إيران باستمرارها في السلطة. فبدلا من الاستجابة لإرادة الشعب، وجهت الرصاص الحي وخراطيم المياه والقنابل الصوتية والاغتيالات والاختطاف والتعذيب إلى المنتفضين والمنتفضات معبئة ضده كل اجهزة الدولة العسكرية الرسمية واجهزة الدولة العميقة بميليشياتها الطائفية المسلحة واستخدام مختلف أنواع الأسلحة التقليدية والكذب والخداع والمراوغة واللعب على الوقت بدم بارد، مما ادى إلى استشهاد أكثر من 700 ضحية والى إصابة عدد يقترب من 25 ألف جريح ومعوق واعتقال الآلاف من المناضلين والمناضلات الشجعان. إن التشبث بالحكم والتحايل والسعي لشق وحدة الصف المنتفض بأساليب نذلة والادعاء بالإصلاح زوراً وبهتانا، كلها سوف لن تنفع هذه الطغمة، فما عاد بالإمكان استمرارها بالسلطة لأن ذلك يعني مزيداً من الخراب والرثاثة والبؤس والفاقة لأبناء وبنات الشعب، فالظلم إد دام دمر، من جهة، ومزيداً من الغنى الفاحش للحكام الحاليين واسيادهم في إيران عن طريق النهب والسلب لثروة العراق من جهة ثانية.

إن الإجهاز السلمي على الطغمة الحاكمة ونظامها السياسي الطائفي الفاسد يتطلب وحدة القوى الشبابية في ساحات وشوارع النضال اليومي التي برهنت عن صبر وجلد وصمود وحيوية وقدرة على المواصلة أولاً، ويتطلب وحدة القوى

السياسية الديمقراطية المشاركة والداعمة لقوى الانتفاضة الشعبية بكل السبل المتوفرة لديها، بما في ذلك تأمين وحدتها ومساعدتها على تحقيق وحدة الصف الوطني ثانياً، وإزالة ما ترسب من عدم الثقة والشكوكية المتبادلتين لصالح ما هو أنبل وأفضل من التفكير بالمصالح الحزبية الخاصة والضيقة.

إن الواقع الراهن يتطلب منا نحن كبار السن في الحركة السياسية الوطنية العراقية، في صفوف القوى الديمقراطية أن نتعلم من الشبيبة المنتفضة، فهم أقرب إلى نبض الشارع والشعب منّا، وهم أسرع في اتخاذ القرارات المطلوبة منّا، وهم أكثر استعداداً للمجازفة والتضحية المحسوبة منّا، وهم أكثر حركة وقرباً من الجديد والحديث في العالم وفي فهم الأحداث والتفاعل السريع معها منّا أيضا. إن ما يمكننا نحن كبار السن من تقديمه للشبيبة المنتفضة تتجلى في خبرتنا المتواضعة واستعدادنا للسير معهم وتحت قيادتهم لتحقيق المنشود لشعبنا الذي نزل يطالب بحقوقه المغتصبة، واستعادة وطنه المستلب. لنحترم نحن كبار السن ذوي الشعر الأبيض شبيبتنا المقدامة بشعرهم الأسود الفاحم، لنتواضع أمامهم وأمام بسالتهم وتضحياتهم.

إن الشبيبة التي تملأ ساحات وشوارع العراق قد مرّت في هذه الفترة النضالية التي عمرها خمسة شهور بأوضاع عصيبة وصعبة، وقد أعطتها خبرة كبيرة، وهي تدرك اليوم بأن تنظيم قواها وتعبئتها وتأمين تعاون وتنسيق ووحدة جهودها تحت قيادة واعية، جسورة، وحكيمة هو السبيل الوحيد في التعجيل بالنصر السلمي المؤزر على الطغمة الحاكمة الفاسدة التي اصطفت كلها دون استثناء ومن جديد لتفرض المحاصصة الطائفية والأثنية في توزيع السلطات الثلاث والمناصب ولامتيازات والاستمرار في نهب البلاد وخزينة الدولة وإفقار الاقتصاد والمجتمع. وإن الأمل بانتصار الانتفاضة الشعبية يأتي عبر النضال الجاري وعبر التنظيم والتنسيق والتوحيد والقيادة الواعية والمدركة لمؤامرات وخطط العدو الداخلي والخارجي المتربص لنا على حدود البلاد الشرقية والمتوغل في أعماق العراق ومفاصل الدولة والمجتمع في آن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى