مقالات

الانهار المنسية

د. فاتح عبدالسلام

حين وقعت كارثة غرق العبّارة في نهر دجلةبالموصل قبل أكثر من ثلاث سنوات، انتبهنا جميعاًالى ذلك الفقر الشديد في وسائل الانقاذ النهري التي تصل الى حد العدم في مدن كبيرة تقع على ضفاف النهر. وسمعنا حينها عن تبرعات لم يصل منها شيء وقرارات لم تتم لشراء زوارق للشرطة النهرية التي لم يكن في حيازتها سوى زورق واحد ضعيف الامكانات. والحال المتردي في هذا المجال، ليس محصوراً في الموصل التي شهدت تلك الكارثة المروعة بغرق مائتين من الاهالي أمام انظار الجميع من دون وجود امكانية انقاذ سوى نخوة الشباب الذين رموا أنفسهم من الضفاف الى وسط النهر الهادر من اجل انقاذ عدد محدود، ودفع بعضهم حياته في سبيل انقاذ الآخرين. جميع المدن العراقية ليس لها امكانات انقاذ نهري بمواصفات مقبولة، وتراوح شرطتها النهرية عند الحد الادنى من الامكانات والطواقم وتكاد تكون معدومة الخدمات الترفيهية باستثناء نشاط بسيط للقطاع الخاص. بلدنا يحتضن نهرين عظيمين، دجلة والفرات، يمران من مدن وبلدات كثيرة، من دون عناية مناسبة على ضفاف النهرين لاسيما في المناطق المحاذية للتجمعات السكانية. اليوم نحن في فصل الصيف، ويواجه كثير من الناس موجات الحر باللجوء الى السباحة في النهر، وهي سباحة في مناطق غير مراقبة ولا تحظى بحماية ولا تقوم البلديات والادارات المحلية بإيلاء اهمية لهذا الجانب الذي بسببه نفقد ارواحا عزيزة لاسيما من الاطفال في كل عام غرقاً في الانهار. لا أدري ما هو السر الذي يجعل المحافظات والوزارات المعنية لا تلقي بالاً للخدمات المصاحبة لوجود الانهار باستثناء سحب مياه الشرب وتعقيمها. والخدمات قد تكون ترفيهية وسياحية تخفف عن الاهالي ضغط المدن المزدحمة، لكن ليس كما وقع الاهالي في فخ العبّارة وحدثت تلك الكارثة الكبيرة. من يتابع هذا الملف المهم والمنسي، وهل نحتاج الى تكرار الكوارث لا سمح الله لكي ننتبه الى وضعنا. لعل من الاسئلة المحيرة التي تخص عملية تحرير الموصل العام ٢٠١٧ من احتلال تنظيم داعش ما يخص العلاقة الضعيفة مع النهر ايضاً، حيث كانت ضفة النهر مجالا مفتوحاً وجبهة يمكن فتحها لاختصار وقت المعركة وتقليل الخسائر واحداث عنصر المفاجأة، ولم يتم سوى قصف الجسور لتثبيت الحركة في الجانبين، وإنّ شهوراً عدة استغرقتها المعارك من دون الالتفات الى جبهة النهر لاسيما بعد تحرير الساحل الايسر والتوجه نحو الجانب الايمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى