مقالات

التشهير‭ ‬والتسقيط‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالخطأ

د. نزار محمود

ليس‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يخطىء،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬متجاوزاً‭ ‬كلياً‭ ‬لأناه،‭ ‬وربما‭ ‬أمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬لأقول‭: ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬ذلك‭!‬

إذن‭ ‬فإنّ‭ ‬ارتكاب‭ ‬الأخطاء‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬البشرية،‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬ونتعايش‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬نفوسنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقفز‭ ‬عنه‭ ‬وتعيش‭ ‬حالة‭ ‬ملائكية‭ ‬ناكرة‭ ‬لأناها‭ ‬تماماً‭. ‬ولكن‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬الحدود‭ ‬وبأي‭ ‬الأشكال؟

ولكي‭ ‬نساهم‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬أخطائنا‭ ‬وتصويب‭ ‬مسارات‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬ومواقفنا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اشتراطات‭ ‬وممارسات‭ ‬معينة،‭ ‬منها‭:‬‭- ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬خطأ‭ ‬الإنسان‭ ‬مسألة‭ ‬واقعية‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وهي‭ ‬معذورة‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬نيتها،‭ ‬وممكنة‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬لتجاوز‭ ‬آثارها‭ ‬عند‭ ‬صفاء‭ ‬النية‭ ‬والاستعداد‭ ‬لتقويمها‭.‬‭- ‬زرع‭ ‬القيم‭ ‬والمواقف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬وتدعم‭ ‬ولا‭ ‬تسفه‭ ‬أو‭ ‬تنتقص‭ ‬ممن‭ ‬يعترف‭ ‬بخطئه،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬واحترامه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬‭- ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬تداعيات‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬تضرر‭ ‬منها‭.‬‭- ‬

مراجعة‭ ‬القوانين‭ ‬والتعليمات‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬دعم‭ ‬مبدأ‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتراجع‭ ‬عنه‭ ‬وتصويبه‭.‬ان‭ ‬استمرارنا‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬التشهير‭ ‬باخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬وانتهاز‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تسقيطهم‭ ‬أو‭ ‬ابتزازهم‭ ‬أو‭ ‬التغلب‭ ‬عليهم‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬تعايشنا‭ ‬السلمي‭ ‬وتآلفنا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬في‭ ‬تناحراتنا‭ ‬وعدواتنا‭ ‬وتفرقنا،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ويشجع‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬ممن‭ ‬صدر‭ ‬منه،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬ذلك‭ ‬أحياناً‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬تعليقاتنا‭ ‬النابية‭ ‬ونقدنا‭ ‬السلبي‭ ‬بصورة‭ ‬صريحة‭ ‬أو‭ ‬مبطنة‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬نحبهم‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬لهم‭ ‬الخير‭ ‬مبرزين‭ ‬ومشهرين‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬فيها،‭ ‬بحق‭ ‬أو‭ ‬بادعاء،‭ ‬من‭ ‬أخطاء،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬نجد‭ ‬صاحبها‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬بذلك‭ ‬النقد‭ ‬ولا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تصحيح‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬خطأ‭.‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬نعيشها‭ ‬بالأخص‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬حياتنا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬ان‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬المختلفة‭ ‬تأخذهم‭ ‬العزة‭ ‬بالإثم‭ ‬ولا‭ ‬يكونون‭ ‬مستعدين‭ ‬للاعتراف‭ ‬أو‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬ارتكبوه‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬واقعياً‭ ‬عدم‭ ‬صحته‭ ‬من‭ ‬مبادىء‭ ‬وممارسات‭ ‬آمنوا‭ ‬بها‭ ‬وعاشوا‭ ‬معها،‭ ‬لما‭ ‬ذهبنا‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬لا‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ولا‭ ‬تحترم‭ ‬من‭ ‬يمارسه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يلحق‭ ‬بصاحبه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬وتداعيات‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬ينطبق‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬وقيمه‭ ‬وسلوكياته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ويسعى‭ ‬الى‭ ‬تقويمه‭.‬أختتم‭ ‬بالقول‭:‬إن‭ ‬رفع‭ ‬شأن‭ ‬سلوك‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬فضيلة‭ ‬فردية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسياسية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى