مقالات

الحربان الخاسرتان والجندي الرابح

د. فاتح عبدالسلام

قبل ثلاثين سنة، بدأت الحرب الامريكية العراقية الأولى، جراء غزو الكويت. وحين وضعت تلك الحرب أوزارها على أشلاء متناثرة من قوة جيش العراق الذي زجّ به في معركة خاسرة، ظنَّ الناس أنَّ من المستحيل أن تقوم حرب امريكية عراقية مجدداً، ذلك انّ البلد لم يعد فيه سلاح نوعي قادر على الدفاع عنه أمام قوات متفوقة في كل الجوانب، ولا أحد يستطيع نكران ذلك إلا جاهل أو أحمق. لكن لم تمض ثلاث عشرة سنة إلا ونشبت الحرب الامريكية الثانية التي ارتقت درجة أعلى من العمليات الحربية الميدانية الى احتلال البلد وتنصيب مجالس حكم ورعاية حكومات. لا أرى أيّ مبرر للجوء الى تسميات ثانوية في وصف هاتين الحربين الاولى والثانية على انهما من حروب التحالف الدولي أو كما كان النظام السابق يسميها العدوان الثلاثيني وما الى ذلك من تسميات، كل تلك الدول لم تكن في حقيقتها سوى ديكوراً هزيلاً للقرار الامريكي في شن الحرب وتنفيذ مشروع ما بعد الحرب. من السذاجة التصوّر انّ الحرب الكبرى كما حدثت في العراق، تشن لغاية ظرفية وطارئة مثل اخراج القوات العراقية من الكويت أو اسقاط النظام السابق. ذلك هو الجزء الظاهر من الجبل العالي المُغطّى بمياه عميقة.العالم لا يزال محكوماً بإرادة القوى العظمى، وهي ليس شرطاً أن تكون تعني الدول العظمى تحديداً مقيداً. والدول التي تريد النجاة في هذا البحر الهائج من عنفوان القوى هي التي تجيد التحالفات الناجحة وتدرس خطواتها في علاقاتها الخارجية وقياس المسافات الصحيح مع التوازنات الدولية، من دون التوهم في انّ دولة تعتمد على العالم المتقدم في التكنولوجيا والسلاح والطب والعلوم والغذاء وبيع نفطها، تستطيع أن تخوض منافسة محدودة مع العمالقة، وليس الحرب.برغم المغامرات الاندفاعية الآنية في الذهاب الى حافة الهاوية التي سيق اليها العراق عبر عقود ماضية، لا يمكن أن يتجاهل أحد، أنّ الجندي العراقي برغم فقدانه ما يتمتع به الجندي الامريكي من تفوق في السلاح والتكنولوجيا وكل شيء، هو وحده بين جنود جيوش العالم في خلال ما يقرب من قرن الذي واجه الجندي الامريكي مرتين في حرب مباشرة، وهو الأمر الذي لم يحصل مع جيوش روسيا أو الصين أو الشرق أو الغرب،. فضلاً عن ايران.هذه الخاصية التي يمتلكها العراقي، لا يمكن أن تتجاهلها أية دراسة نوعية استراتيجية في قراءة الماضي واستشراف المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى