مقالات

الحَكم‭ ‬أم‭ ‬مراقب‭ ‬الخط؟

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭

‬اخر‭ ‬كشوفات‭ ‬الحساب‭ ‬السياسي،‭ ‬شبه‭ ‬الدقيقة،‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬العراقي‭ ‬ظهرت‭ ‬أمس‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬لو‭ ‬فيغارو‭ ‬الفرنسية،‭ ‬عبر‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬أجرته‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي،‭ ‬وخلص‭ ‬فيه‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬السياسيين‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬يتزعمون‭ ‬المشهد‭ ‬الساعة‭ ‬‮«‬‭ ‬بانَ‭ ‬فشلهم‭ ‬جميعاً”،‭ ‬والسبب‭ ‬الأول‭ ‬لذلك‭ ‬أنهم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يحترمون‭ ‬القوانين‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬إلا‭ ‬بالقوة‭ ‬والسيطرة‮»‬‭. ‬وبرأيه،‭ ‬أن‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬‮«‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬شبكات‭ ‬الفساد‭ ‬والمحسوبية‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الشخصية‮»‬هذه‭ ‬الخلاصة‭ ‬تجيء‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬زمنية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الأزمة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬الدوس‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬تقريبا‭ ‬وبتقنين‭ ‬حاليا،‭ ‬ومنها‭ ‬الاقتتال‭ ‬الداخلي‭ ‬واستخدام‭ ‬السلاح،‭ ‬وهذا‭ ‬الامر‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬بعضهم‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬المحرمات،‭ ‬وربّما‭ ‬من‭ ‬المستحيلات‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬انّ‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬‭ ‬التناقض‭ ‬ظاهر‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬المراوغة‭ ‬بشأنه‭ ‬وهو‭ ‬انّ‭ ‬عدم‭ ‬ايمان‭ ‬الزعامات‭ ‬بالقوانين‭ ‬والسلوك‭ ‬السلمي‭ ‬وانتهاجهم‭ ‬طريق‭ ‬القوة‭ ‬والاستقواء،‭ ‬يعني‭ ‬انّ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كانت‭ ‬وهماً‭ ‬وستارًا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬لعبة،‭ ‬محلية‭ ‬وإقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬ولا‭ ‬نزال‭ ‬ساقطين‭ ‬في‭ ‬حبائلها‭. ‬كيف‭ ‬نتوقع‭ ‬نتائج‭ ‬انتخابية‭ ‬مثلا،‭ ‬يحترمها‭ ‬سياسيون‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بمخرجات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وممارساتها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬برغم‭ ‬من‭ ‬انهم‭ ‬يرتدون‭ ‬ثوبها‭ ‬المزركش؟ما‭ ‬قاله‭ ‬الكاظمي‭ ‬شهادة‭ ‬تاريخية‭ ‬مهمة،‭ ‬لأنه‭ ‬قاد‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬امتدت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عامين،‭ ‬وشهدت‭ ‬أحداثاً‭ ‬كبيرة‭ ‬ومحرجة‭ ‬للغاية،‭ ‬وانه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعتقد‭ ‬انّ‭ ‬نجاحه‭ ‬الرئيس‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الانجرار‭ ‬الى‭ ‬معارك‭ ‬وصراعات‭ ‬الأخرين‭ ‬التي‭ ‬علت‭ ‬فيها‭ ‬أصوات‭ ‬الرصاص‭ ‬والصواريخ‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬لأنّ‭ ‬محافظته‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬جنّبت‭ ‬العراق‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬العنف‭ ‬مجهول‭ ‬النهايات،‭ ‬وفي‭ ‬كلامه‭ ‬جانب‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الضرورات‭ ‬التي‭ ‬تتطلبها‭ ‬القيادة‭ ‬لمَن‭ ‬يتصدى‭ ‬للمسؤولية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مقسم‭ ‬بين‭ ‬الولاءات‭ ‬والانحيازات‭ ‬والمليشيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬والدول‭ ‬والاطماع‭ ‬الشخصية‭ ‬والامراض‭ ‬التاريخية‭ ‬المستوطنة،‭ ‬او‭ ‬بالأحرى‭ ‬فيه‭ ‬بلد‭ ‬اضمحل‭ ‬فيه‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬الانعدام‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اقناع‭ ‬العراقيين‭ ‬بدور‭ ‬شبه‭ ‬محايد‭ ‬لمَن‭ ‬يتزعم‭ ‬قيادة‭ ‬بلدهم،‭ ‬لاسيما‭ ‬عندما‭ ‬تؤول‭ ‬أوضاعه‭ ‬الى‭ ‬منزلقات‭ ‬خطيرة‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬والدم‭ ‬والتخلف،‭ ‬تستدعي‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الكاظمي‭ ‬نفسه‭ ‬للصحيفة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ما‭ ‬نصه‮»‬‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬جديد‭ ‬وتعديلات‭ ‬دستورية‭ ‬تتجاوب‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬المجتمع‭. ‬الذهاب‭ ‬نحو‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ ‬قوية‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الممتهنة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وليس‭ ‬الطائفية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬القضاء‭ ‬والنظام‭ ‬التعليمي‭ ‬والصحي‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬ينخر‭ ‬الأحزاب‭ ‬كافة”‭ ‬الملعب‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬مراقب‭ ‬خط،‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬ينكر‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬اللعبة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تجرى‭ ‬ثم‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حَكم‭ ‬له‭ ‬قرار‭ ‬نهائي،‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يستطيع‭ ‬تغييره‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى