مقالات

الخلاف والإختلاف بين الود والقضية

حمزة مصطفى

مع أننا في الغالب نتجنب الخوض في قضايا وأمور في الدين هي موضع خلاف فقهي, عقائدي, مذهبي لكننا ومن أجل تجنب ذلك نلجأ طواعية الى دفن رؤوسنا في الرمال. المصيبة إننا نعرف أن مؤخراتنا مكشوفة تماما. مع ذلك نتواطأ حتى لو إختلفنا على هذه القضية أوتلك أو حتى لو “تذابحنا” وكثيرا ماحصل ذلك في التاريخ في أن نبقي معادلة الرأس والمؤخرة هي التي تتحكم في خطابنا.ومن أجل الإستمرار في متوالية الرأس المدفون في الرمال والمؤخرة المفتوحة لكل من يجئ “للحظ أو للعابر الجرئ” مثلما يقول أدونيس هي التي جعلتنا “نجيب ونحط” أحاديث ومقولات من أجل التغطية مرة أو التمويه مرة والتدليس في كل المرات. الأدهى والأمر والاتعس إننا ننسب أحاديث الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أو الصحابة لكي نبرر مانقوم به أو مانؤمن به أو مانريد تبريره أمام الآخرين. كل ذلك من أجل تبرير خيباتنا وبؤسنا. دائما نريد حين نريد أن نبرر أن”إختلاف أمتي رحمة” وننسب هذا الحديث الى النبي. هل يوجد أكثر من إختلاف المسلمين من أبسط القضايا الى أكثرها جوهرية في الدين منذ 1450 سنة؟

أين الرحمة في هذا الإختلاف المزمن؟ مع ذلك ولأننا نعرف جيدا أن كل مانقوم به من فعل أيدينا ولاتوجد نصوص قطعية الدلالة في غالبية مانختلف عليه فإننا لانملك سوى أن نردد في أحاديثنا وصلواتنا وأدعيتنا ربنا أكشف هذه الغمة عن هذه الأمة؟ من هو المتسبب في هذه الغمة سوانا نحن المسلمين من كلا المذهبين بينما الله سبحانه وتعالى يقول في القران الكريم “إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” “سورة الرعد آية 11”.

أين الرحمة في الحروب الطائفية التي وقعت بين المسلمين على إمتداد التاريخ حيث إمتلأت بعض صفحاته بالسواد نتيجة التعصب المذهبي الذي يقود الى التعصب الطائفي الذي ينتج بدوره الأحقاد والبغضاء بين من يفترض بهم يؤدون الصلاة الى ذات القبلة ويحجون الى ذات البيت ويقرأون القران نفسه؟ وفي موازاة حديث إختلاف أمتي رحمة نحتنا قولا آخر نردده كلما إختلفنا مع بعضنا حتى بشأن أبسط القضايا في حياتنا اليومية الى أخطرها وهي مقولة “الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية”.

من حيث المبدأ لا خلاف على مبدأ الخلاف في الرأي بل الأصح والأصوب أن تكون هناك خلافات في الرؤى والأفكار والمناهج لكي تتغير الحياة نحو الأفضل. كل الأيديولوجيات مختلفة عن بعضها. بل قد تتضارب مع بعضها وربما تتحارب مع بعضها بدء من الحروب الصليبية التي هي وإن كانت حروب أديان في ظاهرها لكنها حروب أيديولوجيات في الواقع الى حروب المصالح سواء كانت من أجل التوسع أو من أجل الموارد أو سواها من المبررات. لكن هل من مخرجات هذا الخلاف بكافة أنواعه أن يبقي ودا وقضية؟ الأديان التي هي وحدها من ينبغي أن توحد الناس لأن الله سبحانه وتعالى أنزلها على البشر من أجل أن يتكاملوا لا أن يتحاربوا تحولت الى ميادين صراع وحروب مرة باسم الصليب ومرة باسم صراع الحضارات أو الثقافات ” صموئيل هنتغتون .. كتاب صدام الحضارات”.

وحيث أن التكامل والتمام كان من نصيب الرسالة المحمدية وحدها كونها الرسالة الخاتم فإنها ولأسباب لا علاقة لها بأصل النص الألهي تحولت للأسف الى محور خلافات طائفية لاطائل من ورائها تمت تغذيتها عبر العصور عن طريق النفخ بنار مانرفضه جميعا وهو الفتنة مع أن الجميع يكاد يكون ضالعا بها بشكل أو بآخر.

ولعل السؤال الذي عجز الجميع عن الإجابة عنه هو ما الذي يجب علينا فهمه مما أورده القران على صعيد إكتمال الدين وإتمام النعمة ..”اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” المائدة 3.

هل رضينا كمسلين بالدين الذي إكتمل وبالنعمة التي تمت؟ بالنسبة لي على الأقل لا.

ولهذا السبب راح تبقى الغمة فوق هذه الأمة ونستمر في الدعاء الذي لايستجاب لأننا نريد من الله أن يغيرنا بينما المطلوب أن نغير نحن أنفسنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى