العربية والدولية

الرياض تشعل حرب “أسعار النفط”.. الوقت حليف موسكو؟

تبدو السعودية في “حرب أسعار” النفط التي أشعلتها عالمياً، كأنها في معركةٍ مع اقتصادها المنهكِ بالدرجة الأولى. وفي الجهةِ المقابلة، تتعامل روسيا حتى اللحظة بهدوءٍ مع الخطوات السعودية الأخيرة، وتحاول قدر الإمكان استيعاب المناورة السعودية مع قدرةٍ أكبر على التكيّف مع الأزمات، فيما تترنّح الولايات المتحدة بين الأسعار المنخفضة والضغوط على إنتاج النفط الصخري الأميركي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

حرب “رفع الإنتاج”!

خفّضت السعودية، مساء السبت الماضي، سعر البيع الرسمي لنفطها لشهر نيسان/أبريل المقبل، للعملاء الآسيويين بمقدار 6 دولارات للبرميل، وبمقدار 7 دولارات للبرميل لأميركا، وبمقدار 8 دولارات لأوروبا ومنطقة البحر المتوسط، وهي المناطق التي تبيع فيها روسيا جزءاً كبيرا من إنتاجها النفطي. وبالتوازي، أعلنت مجموعة “أرامكو” النفطية، اليوم الثلاثاء، زيادة إنتاجها في شكل كبير إلى 12,3 مليون برميل يوميا في نيسان/أبريل المقبل. 

الخطوات السعودية تلك جاءت ضمن محاولة لتأمين حصّة كبيرة في السوق العالمية، وذلك بعد إخفاق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشريكتها الرئيسية روسيا ضمن تحالف “أوبك+”، في التوصل إلى تفاهم بشأن خفض إضافي لإنتاج الخام، بعد رفض روسيا للاقتراح، وذلك لوضع حدٍّ لتراجع أسعار النفط على خلفية انتشار فيروس “كورونا المستجد”.

ويذكر في هذا السياق، أنه منذ عام 2017 تعهّدت دول “أوبك” وشركائها بتخفيض الإمدادات في السوق بمعدّل 1,2 مليون برميل يومياً لرفع الأسعار.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن أعضاء منظمة “أوبك” وشركاؤهم، زيادة خفض إنتاجهم النفطي، بما لا يقل عن 500 ألف برميل إضافية يومياً لدعم أسعار الخام، ليصبح إجمالي الخفض 1.7 مليون برميل يومياً ضمن الربع الأول من عام 2020.

لماذا ترفض روسيا خطة خفض الإنتاج المقترحة من السعودية؟

تستهدف روسيا برفضها تخفيض الإنتاج، قطاع إنتاج النفط الصخري الأميركي، لا سيما وأن تخفيض الإنتاج من قبل “أوبك+” الذي حصل خلال السنوات الأخيرة، جعل الولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول المنتجة للنفط عالمياً خلال العام المنصرم. 

وبذلك، تكون روسيا قد وجهّت صفعة لشركات قطاع النفط الصخري الأميركية، بما أن تلك الشركات ستكون عاجزة عن الإنتاج في ظلِّ الأسعار المنخفضة، نظراً لكلفة إنتاج النفط الصخري العالية والتي تحتاج إلى أسعارٍ للنفط لا تقل عن 40 دولار. 

وتجدر الإشارة، إلى أنه بفعل انهيار أسعار النفط بين عامي 2014-2016 أشهرت عشرات شركات النفط والغاز الأميركية إفلاسها في تلك الفترة وسرّحت مئات الآلاف من العمال، للأسباب ذاتها التي تمر بها أزمة النفط الحالية، لا سيما وأن تلك الشركات لا يمكنها الاستمرار في الإنتاج إلا في ظل أسعار نفطٍ مرتفعة، وهو ما استطاعت الولايات المتحدة تجاوزه مطلع العام 2017 مع اتفاق “أوبك+” على تخفيض الإنتاج.

 ومن هذا المنطلق، يمكن فهم الموقف الروسي برفض خفض الإنتاج، بما أن الخفض سيعود بالنفع على الشركات الأميركية والنفط الصخري الأميركي بالدرجة الأولى، حيث ترى موسكو أن الوقت حان للضغط على واشنطن التي زادت شركاتها من حجم إنتاجها للنفط الصخري خلال السنوات الأخيرة، في حين أبقت الشركات الروسية على نفطها في الآبار امتثالاً لاتفاق “أوبك+” بخفض الإنتاج.

وتعليقاً على ذلك، كتب محللون في شركة استشارات الطاقة “FGE” (مقرها لندن) أن روسيا لمّحت إلى أن الهدف الحقيقي هو منتجي النفط الصخري الأميركي، لأنّ موسكو “سئمت” من خفض الإنتاج وترك حصة السوق الأكبر للشركات الأميركية”. ونقلت وكالة “بلومبيرغ” بدورها، عن رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو ألكسندر دينكين، قوله إن “الكرملين قرر التضحية بـ(أوبك+) لوقف تزايد إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة”. 

كما أن هناك أمر آخر مستجد وفق “دينكن”، وهو أن موسكو قررت توجيه رسالة لواشنطن التي وقفت أمام مشروع “نورد ستريم” للغاز الروسي نحو ألمانيا. ويذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقّع في كانون الأول/ديسمبر الماضي، على قانون يفرض من خلاله عقوبات على الشركات المساهمة في بناء خط أنبوب الغاز الروسي “نورد ستريم 2“، الذي ترى فيه واشنطن أنه يعزز من نفوذ موسكو في أوروبا.

الخسائر السعودية

على الرغم من أن كلفة إنتاج النفط في السعودية “خام برنت” (حوالي 10 دولارات) أقل من كلفته في روسيا (حوالي 17 دولار) وتليهما كلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة (35 دولار كمعدل وسطي)، إلا أن الخسائر التي تعرضت لها البورصة السعودية وأسهم شركة أرامكو، تطرح تساؤلات عديدة حول جدوى الخطوة السعودية وتأثيرها المعكوس على الاقتصاد المتهالك في المملكة. 

مع افتتاح أسواق المال الخليجية أمس الإثنين، تصدّرت السعودية الخسائر، مع هبوط المؤشر العام لسوق المال السعودي أكثر من 9%. لكن الضربة القاسية كانت في قيمة سهم شركة أرامكو، الذي تراجع بنسبة 10% ليبلغ 27 ريالاً (7.1 دولار)، وهو سعر دون سعر الطرح الرئيسي الأول 32 ريالاً (8.5 دولارات)، وذلك بعد شهرين على إدراج الشركة في البورصة.

ووفق كالة “بلومبيرغ” فإن أرامكو ستواجه المزيد من ضغوط البيع مع هبوط سعر سهمها، وسيكون ذلك بمثابة ضربة قوية لمواطني المملكة، الذين تم تشجيعهم على الاستثمار في الشركة، وشراء الأسهم، لا سيما وأن مستثمرين محليين كانوا استحوذوا على أكثر من ثلاثة أرباع الطرح.

وللسيطرة على الخسائر، طلبت شركة النفط السعودية “أرامكو”، اليوم الثلاثاء، تعليق تداول سهم الشركة في البورصة السعودية، بعد أن تكبد خسائر فادحة خلال الجلستين الماضيتين، حيث خسرت أرامكو الأحد والاثنين الماضيين، أكثر من 320 مليار دولار من قيمتها التي باتت تتراوح عند 1,4 تريليون دولار.

الرابح.. الأكثر قدرة على تحمل الخسائر!

وفق الخسائر الذي ترتبت في الأيام الأولى لحرب “أسعار النفط” ستكون السعودية  في مأزقٍ اقتصادي أشد، إذا ما استمرت ضمن ذات الوتيرة، في الوقت الذي لا تزال فيه المملكة تعتمد بشكلٍ رئيسي على الإيرادات النفطية (أكثر من 80% من إيراداتها)، في ظلِّ عجزٍ مالي تعاني منه المملكة مستمر منذ عام 2014 (بداية انهيار أسعار النفط). ووفق مؤشرات موازنة العام 2020، تتوقع السعودية أن يبلغ العجز نحو 187 مليار ريال (49.8 مليار دولار)، مقابل نحو 35 مليار دولار مقدرة في العام الماضي 2019، لكن العجز متوقّع أن يتزايد مع الخسائر النفطية التي تُسجّل.

وهذا ما يعيدنا إلى العام 1986، عندما فشلت السعودية أواخر عام 1985 بإقناع الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” والدول المنتجة من خارجها بخفض إنتاجها، لتقوم السعودية بعدها برفع انتاجها، ما أدى إلى تراجع الأسعار في شباط/فبراير عام 1986 إلى ما دون الـ 10 دولار. لكن ومع نهاية العام تراجع الدخل السعودي بشكل كبير من 82 مليار ريال في عام 1985 إلى حدود 58 مليار ريال في عام 1986 جراء انهيار أسعار النفط (السعودية كانت حينها تستهدف سعر 40 دولاراً لميزانيتها الآن تستهدف 55 دولار).

أمّا أميركياً، فإن ترامب المقبل على انتخابات رئاسية، سيكون أمام تهديد يطال قطاع النفط الصخري الذي يعاني من مشاكل أساساً، وعلى الرغم من أن خفض الأسعار يعتبر أحد أهداف الرئيس الأميركي، إلا أن الضغوط التي ستزيد على شركات النفط الأميركية ستتحول إلى صوتٍ انتخابي ضده في الانتخابات المقبلة.

وفي موسكو، قالت وزارة المالية أمس الإثنين، إن البلاد يمكنها التكيف مع أسعار للنفط بين 25 دولار و30 دولار للبرميل لفترة من 6 إلى 10 سنوات قادمة. وأوضحت الوزارة أنها قد تلجأ إلى صندوق الثروة الوطني للبلاد، لضمان الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي إذا استمر هبوط أسعار النفط، مشيرةً إلى أنه حتى 1 آذار/مارس حوى الصندوق أكثر من 150 مليار دولار أو 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. 

بدوره، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، اليوم الثلاثاء، إنّ روسيا قد ترفع إنتاج النفط على المدى القصير بمقدار 200-300 ألف برميل يومياً، مؤكداً أنّ الإنتاج قد يصل مستقبلاً إلى 500 ألف برميل يومياً. وإذ لفت إلى أنّ تقارير إنتاج وأسعار نفط شركة “أرامكو” تسبّبت بانهيار أسعار النفط، شدّد نوفاك على أنّ الصناعة الروسية “لا تزال قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، رغم انخفاض الأسعار”.

وبعيداً عن الاقتصاد الروسي المتنوّع، والضغوط التي يمكن أن تمارسها موسكو بما يخص الغاز بشكلٍ عام، والمتجه إلى أوروبا بشكل خاص، مقابل اعتماد السعودي بشكلٍ شبه كامل على الإيرادات النفطية، فإن أرقام الميزانية في البلدين، تعطي صورة أكثر وضوحاً عن قدرة كل من الرياض وموسكو على المواجهة. فالعجز بالموازنة السعودية لعام 2020 قدّر بنحو 49.8 مليار دولار، أمّا روسيا قدّرت ميزانياتها لعام 2020 بوجود فائض نحو 13.6 مليار دولار.

وفيما قدّرت موسكو سعر نفط الأورال الروسي بنحو 42.4 دولاراً للبرميل في 2020، فإن السعودية قدّرته بـ55 دولار (80 دولار ميزانية بلا عجز). والفرق يكمن أيضاً، بالقدرة الروسية على اللجوء إلى صندوق الثروة الوطني لفترةٍ أطول. ورغم أن الروبل الروسي تهاوى إلى أضعف مستوياته منذ أوائل عام 2016 بعد الهبوط الحر لأسعار النفط، فإن وكالة “رويترز” نقلت عن محللين تأكيدهم أن “روسيا في وضع أفضل بكثير لتحمل صدمة اقتصادية عنها في عام 2014 عندما فرض الغرب عقوبات بسبب ضمها لمنطقة القرم، أو منها في عام 2008 عندما عصفت بها الأزمة المالية العالمية”.

متابعة / الوكالة الأولى نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى