مقالات

الصين “المتبعبعة”

حمزة مصطفى

الكثيرون أرادوا للصين أن تكون بعبعا وأولهم هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأميركي الأسبق.

فعلى مدى نحو نصف قرن “قرع” كيسنجر رؤوسنا بأنه هو بطل الإنفتاح الأميركي الأول على الصين.

ففي أوائل السبعينات وقبل أن يتورط رئيسه ريتشارد نيكسون بفضيحة ووترغيت التي أطاحت به عام 1974 سافر الى الصين والتقى وقتذاك زعيمها و”مطيح حظ” مجدها التاريخي “من رخصة من تبقى من الماويين” ماوتسي تونغ ممهدا لزيارة نيكسون الى الصين, ذلك البلد الذي لم نكن نعرف عنه سوى مقولة “أطلب العلم ولو في الصين” المنسوبة كحديث نبوي ضعيف كل الأسانيد. كما لم نسمع الإ بسور الصين قبل أن يعرفنا أحد زعمائنا بعد التغيير بالكونفشيوسية.

تغيرت بعد هذه الزيارة معادلات كثيرة على صعيد العلاقات الدولية. الصين بدل فرموزا “الصين الوطنية” أصبحت هي الدولة دائمة العضوية في مجلس الامن عام 1971 وتحركت مياه كثيرة في نهر العلاقات الصينية ـ الروسية التي كانت جامدة الى حد كبير بسبب الموقف من ماركس ولينين بعد أن بدا للاتحاد السوفياتي وقتذاك أن الإنفتاح الأميركي على الصين يمكن أن يؤثر في المعادلات السياسية اللاحقة “الحرب الباردة, إتفاقيات الحد من الأسلحة النووية سالت 1 وسالت 2 وسواها مما كان يحذر منه الطرفان”.

لكن قبل كيسنجر وفي سياق تحويل الصين الى “بعبع” يخشى منه كان زار الصين في ستينيات القرن الماضي أندريه مالرو أحد أهم روائيي فرنسا في القرن العشرين صاحب رواية”الوضع البشري” ووزير ثقافة الجنرال شارل ديغول. في تلك الزيارة التقى مالرو الزعيم الصيني ماوتسي تونغ أيضا.

ومما يرويه مالرو عنه أن ماو كان معجبا جدا بنابليون بونابرت بحيث كان دائم الحديث عنه خلال المقابلة. ويقول مالرو حتى عندما أردت تغيير الحديث من نابليون الى موضوع أخر وسالت ماو عن سور الصين قال ماو بسرعة وقد شعر إنني تضايقت من تكرار الحديث عن نابليون بالمناسبة أن نابليون كان معجبا بسور الصين, ثم إستطرد قال “وهاقد عدنا الى نابليون مرة أخرى”.

عراقيا وحتى سنوات قليلة لم يكن من بين من نعرفه من زار أو أقام بالصين عدا الشيخ الراحل جلال الحنفي والمفكر الراحل هادي العلوي.

كلا الرجلين رحلا قبل أن يلحقا بما حصل في الصين من تحولات بمن في ذلك صناعة أرقى أنواع دشداشة شاكر والغتر واليشاميغ والجبب النسائية والصايات الرجالية وعقل المنطقة الغربية أو الفرات الأوسط أو الجنوب فضلا عن السراويل الكردية حسب الطلب. فالصين التي بعبعوها حقبة من الزمن لأسباب أيديولوجية وأخرى صينية أيام كانت متمسكة بثورة ماو الثقافية التي أخرت الصين 29 قرنا الى الوراء لم تعد اليوم كذلك.

سياسيا ومازلنا في حدود العراق قامت قبل سنوات الدنيا ولم تقعد الإ قبل بضعة أيام عندما زار رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الصين الذي كان في مطالع شبابه ماويا “الإشوي”. الرجل إبتلى على عمره حين وقع مذكرات تفاهم مع هذا البلد العملاق لبناء المدارس لأطفالنا مقابل تصدير النفط لهم بدلا من أن يتمتع به “نور وربعه” فقط.

طوال الثلاث سنوات الماضية تقريبا لا صوت يعلو على صوت الإتفاقية الصينية. كل شيئ عندنا أصبح رهنا لهذه الإتفاقية التي لا يعرف أحد حتى اللحظة هل هي ماشية أم توقفت؟ وهل الولايات المتحدة الأميركية راضية عنها أم زعلانة؟ وهل حكومة عبد المهدي سقطت بسبب الصين أم غيرها مع أن الجميع يعرف في قرارة نفسها أن السبب “غيرها”.

لم ينته هذا الجدل حتى رد الرئيس شي جينيغ زيارة الحنفي والعلوي وعبد المهدي حاطا الرحال في الرياض بالمملكة العربية السعودية ليحط رئيس وزرائنا محمد شياع السوداني الرحال الى الرياض لحضور أول قمة عربية ـ صينية. الأمور بدت غير ماصورها كيسنجر الذي “بعبع” الصين نصف قرن. وليس مثلما صورها الشيخ الحنفي والمفكر العلوي حين بدا عليهما إنهما وحدهما “إختصاص صيني”.

فجينيغ كان يصفق للسوداني وهو يلقي كلمته في القمة, كما أن السوداني كان يقول للجميع بمن فيهم جينيغ “تره إحنه من دعاة التوازن في العلاقات الدولية”. هذه هي السياسة في النهاية, وبدلا من أن ندخل في سيم وجيم جديدة بسبب العلاقة مع الصين الحديثة فقد جاءتنا الصين, بجلالة قدرها, لتخط تاريخا جديدا في علاقات دول المنطقة تقوم على معادلة.. فيدني وأفيدك وبلغة التجار .. بين البائع والمشتري يفتح الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى