مقالات

الضابط في تحديد إختصاص حكومة تصريف الأعمال

الضابط في تحديد إختصاص حكومة تصريف الأعمال – عمر حميد فرج

القاعدة المنطقية تقضي أنه إذا زالت علة الوجود انتفى الوجود, فإذا زال البرلمان وهو علة وجود الحكومة انتفت الحكومة, لأن البرلمان هو من يمنح الثقة للحكومة في الأنظمة البرلمانية ومنها النظام البرلماني في العراق, إلا أن الحكومة في هذه الحالة تتحول إلى حكومة تصريف للأعمال أو حكومة تصريف الأمور اليومية وتستمد أساسها الدستوري من نص المادة (61/ثامنا/د) التي قضت باستمرار رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية.حكومة تصريف الأعمال حكومة مقيدة الصلاحيات خاضعة للرقابة تقوم بتسيير الأعمال العادية أو اليومية وهي الأعمال التي لا تعرض مسؤولية أعضاء الحكومة إلى النتائج السياسية المنصوص عليها في الدستور لأنها لم تعد تحظى بثقة البرلمان المسؤول عن مساءلة الحكومة وبالتالي تصبح الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية وفي هذا قضى مجلس الدولة الفرنسي بقرار له في عام 1966 بحيث عرف الأعمال الجارية بأنها: ” تلك الأعمال التي لا تعرض مسؤولية الوزارة مجتمعة أو الوزير المعني إلى نتائج سياسية…..”بمعنى آخر فإن الأعمال اليومية هي التصرفات الجارية والمألوفة للجهاز الإداري التي تفرض استمرارية المرفق العام وعلى الحكومة واجب اتخاذها. وأدق تعريف يمكن التعويل عليه هو أن الاعمال الجارية هي التي من غير الممكن تأجيلها لأن في التأجيل ضرر وفي نفس المنحى نصت المادة (42/ثانيا) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2019 على أنه:” يقصد بتصريف الأمور اليومية, اتخاذ القرارات والإجراءات غير القابلة للتأجيل…….”. وهو ما ذهب إليه مجلس شورى الدولة اللبناني في القرار 655/2010 في معرض تعريفه الأعمال الجارية :” الأعمال الملحة الضاغطة التي لا تحتمل التأجيل أو الإرجاء لحين تأليف الوزارة الجديدة…….”. وقرار آخر له رقم 575 في 2007 وضح فيه مفهوم الاعمال الجارية بأنها:” المتعلقة بالقرارات اليومية التي تحضرها الدوائر والتي يكتفي الوزير بتوقيعها بعد تدقيق موجز أو تلك التي تتعلق بتسيير الأمور العادية والأعمال الروتينية التي لا يمكن تجميدها طيلة مدة عدم وجود حكومة مسؤولة منعا لفشل المرافق العامة”. وهو مساير لاجتهاد مجلس الدولة الفرنسي بقرار له في عام 1950 الذي جعل من مفهوم الاعمال العادية تلك التي تنصرف الى جميع الأعمال التي يوقعها الوزير يومياً لتسيير أمور الوزارة.استمرارية الاعمالوبالعودة إلى عبارة (تصريف الامور اليومية) الواردة في الدستور, فالرأي عندي أنها تشير إلى معنى (الاستمرارية) واستمرارية الأعمال تعني الأعمال القائمة في فترة ما قبل الدخول في نطاق حكومة تصريف الأعمال ولا زالت مستمرة إلى فترة حكومة تصريف الأعمال وبالتالي فإن الدخول في التزامات جديدة قانونية أو مالية أو سياسية يدل على إقامة أمور مستحدثة جديدة وهو ما يتنافى مع (فكرة الاستمرارية) التي تعني وجود الشيء في الماضي وحضوره الى الزمن الحاضر. على أن لا يعني هذا أن الاستمرارية متصلة بل يمكن أن تكون منقطعة ولكن من حيث المفهوم العام فإن الأمور اليومية هي التي تقبل التكرار والاستمرار بحيث تصبح من الأمور المألوفة في الجهاز الإداري.كما إن فكرة الاستمرارية من نتائجها عدم قابلية الأمور للتأجيل لأن التأجيل سيوقف الاستمرارية, وبالتالي يشكل ضرر. وحيث أن الاستمرار هو جوهر المرفق العام كما يقول الفقيه الفرنسي هوريو, وحيث أن استمرارية المرفق العام غاية رئيسية, ومبدأ ما فتئ مجلس الدولة الفرنسي التأكيد عليه في قراراته, فإن فكرة الاستمرارية ينتج عنها نتيجتين رئيسيتين الأولى استمرار الأمور وقابليتها للتكرار المضطرد والثانية عدم إمكانية التأجيل لأن في التأجيل ضرر. ويمكن أن نطلق على هذه الفكرة المتقدمة (معيار الاستدامة) وهو المعيار الضابط لما يعد من قبيل الأمور اليومية فهو يحمل معنى الاستمرار والدوام أي التكرار.واستناداً للمعيار السابق ذكره يمكننا دراسة الأمثلة التالية للجوانب التطبيقية للأمور اليومية, وما يجعل من أمر معين أمر يومي يدخل ضمن اختصاص حكومة تصريف الأعمال أو ما يخرج عن اختصاصها استناداً لإعمال المعيار المتقدم:المشتريات الضرورية التي يتوقف عليها استمرارية المرفق العام وديمومته وينصرف مفهوم المشتريات إلى أساليب التعاقد أيضاً, فما كان منها ضرورياً يتوقف عليه استمرارية المرفق العام كان واقعاً تحت صلاحية حكومة تصريف الأعمال ومنها شراء المستلزمات المكتبية وتجهيز الوقود للمحطات الكهربائية ويدخل في ذلك إجراء المناقلات المالية والأمر بالصرف وكل ما من شأنه إدامة المرفق العام.لجان تحقيقيةالمسؤولية الجزائية والانضباطية والمدنية للموظفين. تشكل اللجان التحقيقية بموجب قانون انضباط موظفي الدولة وإذا كان الفعل يخضع لنص تجريمي في قانون العقوبات فيحال الموظف الى محاكم الجزاء المختصة تبعاً للأحوال ولا يمكن إيقاف أو اعتراض هذه الاجراءات القانونية لأن المسؤولية الجنائية هي التزام الفرد بتحمل التبعة عن سلوكه الإجرامي فهي أثر لاجتماع أركان الجريمة.أما المسؤولية الانضباطية فتجري كذلك على الموظف وعلة عدم جواز التأخير تتمثل بأن على الوزارة التزام بتنفيذ القوانين الصادرة وفقاً للأصول, وإن التأخير في تطبيق القوانين أو تعطيلها يحمل الوزارة مسؤولية قانونية بحيث يوصف قرارها بأنه قرار إداري سلبي يستتبع جواز الطعن به بالإلغاء أمام القضاء الإداري.كذلك فإن الوزارة إذا لحقها نتيجة فعل الموظف ضرر سبب هدراً في المال العام فإن تطبيق قانون التضمين مما لا يمكن إيقافه أو تعطيله والوزارة ملزمة بتطبيق القانون. لأن وقف أو تعطيل تنفيذ أحكام القوانين يعد جريمة بموجب المادة (329/1) من قانون العقوبات والقضاء الإداري يمارس رقابته على القرارات الصادرة في مثل هذه الأحوال ويشكل ضمانة للموظف تجاه تعسف السلطة.أما بالنسبة لقانون الخدمة المدنية فإن أغلب نصوص القانون تندرج تحت معيار الاستدامة كترفيع الموظفين وعلاواتهم وإحالتهم على التقاعد وقبول الاستقالة, لأن تأخير هذه الإجراءات يلحق ضرراً بالموظف العام. وهو ما تبناه مجلس الدولة الفرنسي في أن إصدار الحكومة جدول ترقيات لموظفي الإدارة المدنية يدخل ضمن فكرة تصريف الأمور الجارية. كما إن هناك من القوانين ما اشترط مدد معينة بفواتها تسقط أو تبطل.ويبقى المعيار في كل ما تقدم هو معيار الاستدامة من حيث الاستمرارية والدوام. وبذلك فإن حكومة تصريف الأعمال حكومة مقيدة الصلاحيات فاقدة لسلطتها التقديرية ذلك أن السلطة التقديرية لا تظهر في ركن الاختصاص, لأنها مقيدة بموجب النص الدستوري (تصريف الأمور اليومية) فإذا كانت الإدارة منزوعة الاختصاص فإن السلطة التقديرية لا تبحث في أي ركن آخر من أركان القرار الإداري لأن الاختصاص من النظام العام والمحكمة تواجهه من تلقاء نفسها في مزاولتها للرقابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى