مقالات

الطريق طويلة والحياة قصيرة

رعد أطياف

بعض الأحيان حينما أشعر بالنفور من الشخصيات المتكبّرة ليس من باب التواضع، وإنما لكونهم ينافسونني على هذا التكبّر!. بعبارة أخرى: أنهم لا يشاركونني ذات العادات، أي لا يشبهونني، ومن لا يشبهني فهو غريب عني ومصدر نفور لي. ويمكن لنا أن نراقب سلوكنا وانطباعاتنا النفسية لعدة أيام، فعلى الأرجح سنعثر على مسرحية مجانية مثيرة للضحك، وسنكون أحد أبطالها بلا منازع.كثيراً ما احكم على الآخرين بدعوى غرورهم وتكبّرهم، لكن حينما أنتبه لأحكامي أجدها لا تقل غروراً عن الآخرين!. فما أرضاه لنفسي يغدو منبوذا ورجيمًا عند الغير. إنها بلا شك كوميديا سوداء، وللأسف الشديد لا تحظى بجمهور غفير، ذلك أن معظم الناس فضّلت العيش بالهامش ونسيت تلك العبارة الشهيرة «أعرف نفسك». إنّ الآخرين ينافسونني بأعز ما أملك: «أنانيتي». ما يحركني، حقاً، تلك الأنا المتكبّرة. ولو كنت صادقاً بما يكفي لاستشعرت الرحمة والشفقة تجاههم لماذا؟ لأننا نبحر بالقارب نفسه!. غير أن الشعور المفرط بأهمية الذات وتفضيلها على الآخرين يفصل الذات عن الآخرين.لا أحد منّا «طاهر» من السموم الذهنية، ولكلِ منّا سرديته الخاصة الحافلة بالمعاناة. ما يجعلنا مختلفين بالمعاناة هي الدرجة وليس النوع، فهذا الأخير موزع بعدالة « فائقة» بين الكائنات!. لكن التجربة البشرية وتعقيداتها المحيّرة تحصر المعاناة بالجانب الشخصي، كما لو أن العالم مخلوق لأجلنا ومُفَصَّل طبقاً لسعادتنا الشخصية.ما الذي يجعلنا نتذمّر من الآخرين، ولا نتذمّر من سلوكيات مماثلة تخصنا «نحن الأرباب!»؟ أظنه الشعور بالتميز الذي تضخّمه الأنا وتعمينا من رؤية الواقع كما هو وإنما كما تراه رغباتنا. في التجارب اليومية أتورط بانطباعات ليست محايدة في ما يتعلق بالآخرين، بينما يتوقف عَدّاد الانطباعات لو تعلق الأمر بمراقبة تداعياتي النفسية المجحفة. فلنرجع إلى السموم الذهنية وعلى سبيل المثال لنتأمل هذه السموم: الجشع، والتكبّر، والتغابي، واللا مبالاة، والحسد.. إلخ. لكلِ من هذه السموم طائفة من الصور النفسية المؤلمة.. هل هناك أحد فينا من أسعفه قارب النجاة وتخلّص من هذه السموم؟ وحده التعاطف مع النفس والآخرين من يصنع لنا ترياقاً شافياً من أوجاعنا النفسية. ليس بالضرورة أن تكون الإجابة سلباً أو إيجاباً، يكفي أن نسجل ملاحظاتنا حول مجمل سلوكياتنا اليومية، ربما سنخرج بنتائج مذهلة (علاوة على المسرحية المجانية)، وأقلها إننا نرى من أنفسنا «أرباباً» لكن لا نصرّح بذلك بصورة مباشرة، فالتناشز المعرفي يعمينا عن رؤية الأشياء على طبيعتها؛ الذاكرة المعرفية في عالم والسلوك العملي في عالم آخر تماماً. ربما علينا أن نذكّر أنفسنا دائماً بهذه العبارة: الطريق طويلة والحياة قصيرة، فهنيئاً لمن فاز واعتبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى