مقالات

العراق.. استثمار انتخابي لفاجعة مستشفى الحسين

د. باهرة الشيخلي

العراق.. استثمار انتخابي لفاجعة مستشفى الحسين

الحرائق التي تحدث تدفع للاستنتاج أن هناك خطة للتدمير والتخريب تحت سمع الحكومة وبصرها والتي لم يبذل مسؤولوها جهدا إلا في المزيد من التصريحات التي ما أطفأت يوما عود ثقاب.فساد في مكانعندما اندلع الحريق الفاجع في مستشفى ابن الخطيب ببغداد يوم الـ24 من أبريل الماضي، كتبت في هذا المكان أن هذا الحريق لن يكون الأخير، ولم أكن أعلم الغيب، عندما قلت ذلك، ولكن مسار الأحداث واستهانة من يمسكون زمام الأمور في العراق بأرواح الناس وصراعهم على المغانم وفسادهم الضارب أطنابه في كل مفصل من مفاصل العراق وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كلها أمور تقودك إلى مثل هذا الاستنتاج المفزع.الآن، أقول أيضاً إن حريق مستشفى الحسين في الناصرية مساء الاثنين الـ12 من يوليو الحالي لن يكون الأخير وإن سلسلة أخرى من الحرائق ستعقبه رغم التصريحات النارية للمسؤولين وسينات التسويف التي أكثروا من استعمالها لأن أس المشكلة وجذرها موجود وهو غياب الإرادة الوطنية على تخليص العراقيين من مشكلاتهم والكوارث التي تحيق بهم، وبدل الإرادة الوطنية هناك إرادة مضادة تهدف إلى التدمير والخراب.لاحظوا، مثلاً، أن يوم الاثنين الـ12 من يوليو الحالي لم يشهد الحريق الكارثي المفجع الذي ذهبت ضحيته عائلات كاملة، وإنما شهد كذلك حرائق في محطة كهرباء النجيبية بالبصرة، وفي مصنع الحبيبات البلاستيكية بمنطقة عويريج في بغداد، وآخر في مبنى ديوان وزارة الصحة، وفي محكمة بداءة البياع وفي سوق مدينة الصدر الأول بالعاصمة بغداد. وإذا أمعنتم النظر في ذلك ستجدون أن هذه المؤسسات كلها اقتصادية وخدمية، وإذا علمنا أن هناك حرائق مماثلة كل يوم ومنذ شهور، سنستنتج أن هناك خطة كاملة للتدمير والتخريب تحت سمع الحكومة وبصرها، هذه الحكومة التي لم يبذل مسؤولوها جهداً إلا في المزيد من التصريحات التي ما أطفأت يوماً عود ثقاب، فهم لم يكلفوا أنفسهم دراسة الظاهرة أمنيا وتحليلها للوقوف على حقيقة أنها ليست حوادث عرضية، بل مخططات إرهابية تستهدف شل الحياة العراقية، حتى تساءلت وسائل التواصل الاجتماعي: لماذا في زمن دكتاتورية صدام ورغم قلة الإمكانيات أيام الحصار العالمي الذي فرض على العراق لم تحدث أيّ حالة حريق في المستشفيات؟وتعالوا نطلع على بعض التصريحات المضحكة لمسؤولين عراقيين بشأن هذه الكارثة، وكأنهم يتحدثون عن واقعة حدثت في بلاد أخرى بعيدة، فالسيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري طالب الحكومة بمعاقبة المقصرين في مسألة حرق المستشفيات، وإلا فإنها، بصغيرها وكبيرها، المسؤولة عما يحدث، ويجب الإسراع بإعلان نتائج التحقيق وإلا كان لنا تصرف آخر.يقول هذا متغافلا عن أنه المسؤول الأول عن الكارثة، فبموجب المحاصصة المقيتة فإن وزارة الصحة من حصة تياره!حريق مستشفى الحسين لن يكون الأخير وإن سلسلة أخرى من الحرائق ستعقبه رغم التصريحات النارية للمسؤولين وسينات التسويف التي أكثروا من استعمالهاأما رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي فعدّ أن المسؤولية تتضاعف بتكرار الفواجع خلال الأشهر الماضية، والتي تتزامن مع أزمات كبيرة بعضها طبيعي وبعضها بفعل فاعل ومحاولة البعض زعزعة الأمن الداخلي ونشر الفوضى والشكوك ومنع مضي القرار الوطني العراقي، وقال: لن نتسامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بأرواح المواطنين أياً كانت صفاتهم أو انتماءاتهم، وخطوات الإصلاح ومحاربة الفساد التي تتخذها الحكومة تواجه “عرقلة ممنهجة” وهجمات إعلامية.ورئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح اعتبر فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد نتاج الفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات، مطالباً بالتحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين لأنه سيكون “عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم، ولا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين”، وكأن الأمر وقع خارج الجمهورية التي هو رئيسها.يقول هذا ولم يشهد العراقيون محاسبة فاسد أو مخرب، ثم أين هو القرار الوطني ليمنع من المضي في طريقه، فلو كان هناك قرار وطني ما حدثت هذه الكوارث كلها.وصرح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أنه ستتم استضافة اللجنة الحكومية المشكلة لمتابعة حادث حريق المستشفى ومحافظ ذي قار في القاعة الدستورية.. وهذا قول ينطبق عليه قول الشاعر جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع.وهناك من استثمر الحادث لأغراض انتخابية، فزعيم منظمة بدر هادي العامري، قال: إن على الحكومة إيلاء وضع وزارة الصحة أهمية خاصة ومعالجة الخلل الكبير فيها بشكل جدي وعلى السلطة التشريعية تحمل مسؤوليتها في الإشراف والمراقبة للعمل الحكومي ووضع حد لمعاناة المواطنين.ولا ندري عن أيّ معاناة يتحدث السيد العامري وهو جزء كبير منها.وقال تحالف سائرون: لا بد للحكومة الاتحادية أن تأخذ دورها الحقيقي في حماية أرواح المواطنين، وأقل ما يمكن أن تقوم به هو كشف الأيادي الخبيثة التي تسببت بالكارثة الإنسانية في الناصرية.أما رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي، فقال: الصمت عن سياسات الفساد والمحسوبية والإقصاء والمحاصصة أثمر جثثا متفحمة وسلاحاً منفلتاً وواقعاً يسير من سيء إلى أسوأ.وأما الأمين العام للمشروع الوطني العراقي الشيخ جمال الضاري فطالب الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية بسبب الاستهتار بأرواح العراقيين من دون عقاب للمقصرين وتكرار حوادث إحراق المرضى في المستشفيات، قائلاً: إن ما حدث في مستشفى الحسين بمدينة الناصرية يمثل سقطة أخرى كبيرة وجريمة لا يمكن السكوت عنها، ولا أقل من تقديم الجناة للعدالة.وهذه كلها أقوال من دون أفعال، ولا حلّ لها سوى إزالة العملية السياسية وإزاحة كل من تسلم مسؤولية في العراق منذ 2003 إلى الآن، كما يجمع العراقيين الملتاعون من الكوارث المتتالية منذ 18 سنة إلى الآن وإلى أن يأذن الله بالفرج.يرجع المتحدث باسم مجلس الوزراء حسن ناظم أسباب الحرائق في المستشفيات إلى أن الكثير من هذه المستشفيات بنيت على عجالة في أيام جائحة كورونا من دون تحقيق شروط السلامة.انتفاضة شباب أكتوبر أسقطت كل أقنعة إمبراطورية الميليشيات وأحزابها الإرهابية وكشفت ألاعيبها وفضحت الطرف الخفي منها (خرافة الطرف الثالث) وما حدث في مستشفى الحسين في ذي قار وسقوط العشرات من الشهداء قد يكون في جانبه الجزئي تقصيرا مهنياوتساءلت العزاوي “ما علاقة العتبات الدينية بتنفيذ مستشفيات وفق المواصفات العالمية؟ مشيرة إلى أن مليارات ميزانية العراق تسرقها أحزاب السلطة الدينية وتتصدق العتبات على العراقيين بمستشفيات أشبه بمخازن الأخشاب خالية من مستلزمات الصحة والسلامة!”.سخرت الأكاديمية والعالمة البيئية الدكتورة سعاد ناجي العزاوي مما قاله ناظم ووضعت يدها على أساس المشكلة عندما أعلنت، بعد ساعات من حريق مستشفى الحسين بالناصرية أن المستشفيات في أنحاء العالم كله تجهز الأوكسجين للمرضى من خلال تمديدات أنابيب مصممة بإحكام لهذا الغرض ويمنع وضع أنبوبة الأوكسجين في غرف المرضى، وإنما في مخازن بعيدة عن غرف المرضى ومعزولة بجدران مبنية من مواد مقاومة للحرارة ومجهزة بنظام إطفاء ذاتي يحصر الحريق ويخمده، خلال دقائق، ويتم توزيع الأوكسجين للغرف بتمديدات مصممة وفق معايير السلامة العالمية بالطريقة التي توزع فيها المياه لحمامات غرف المرضى.وتابعت “المفروض أن تتم إحالة وزير الصحة للقضاء كونه المسؤول المباشر عن تدقيق المعايير والمواصفات والمتطلبات في المستشفيات والمراكز الصحية قبل السماح بتشغيلها”.بعد أحداث ليلة الاثنين المفجعة في مستشفى الحسين بالناصرية أعاد شباب المدينة خيام الاعتصام في ساحة الحبوبي معلنين استمرار ثورة أكتوبر 2019 وتصاعدها.والواقع أن انتفاضة شباب أكتوبر أسقطت كل أقنعة إمبراطورية الميليشيات وأحزابها الإرهابية وكشفت ألاعيبها وفضحت الطرف الخفي منها (خرافة الطرف الثالث) وما حدث في مستشفى الحسين في ذي قار وسقوط العشرات من الشهداء قد يكون في جانبه الجزئي تقصيرا مهنيا.أما الحكومة فهي، كما في بدئها، ليس لديها إلا الصمت المريب إذ اعتاد الكاظمي دفع البلاء الشخصي عنه بتسويات على عادة احملني وأحملك، أو حسب التعبير العراقي “شيّلني وأشيّلك”. وعلى هذا المنحى ستستمر الحرائق وسيموت الكثيرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى