مقالات

العراق..الانتحار؟

د. نزار محمود

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬عنوان‭ ‬المقال‭ ‬يثير‭ ‬استغراباً‭ ‬وربما‭ ‬استهجاناً‭ ‬واتهاماً‭ ‬بالتشاؤمية‭. ‬لكني‭ ‬ادعو‭ ‬القارىء‭ ‬الكريم‭ ‬الى‭ ‬التريث‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬والى‭ ‬حوار‭ ‬هادىء‭.‬تفضلوا‭ ‬بالجلوس‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬مستديرة‭ ‬لنتناول‭ ‬سوية‭ ‬ذلك‭ ‬العراق‭ ‬دستورياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬ونرى‭ ‬هل‭ ‬يصح‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬اليه‭ ‬عنوان‭ ‬المقال‭.‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬دستورياً‭:‬قد‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬متخصصين‭ ‬وفقهاء‭ ‬لنخلص‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬وضعه‭ ‬تحت‭ ‬حراب‭ ‬الاحتلال‭ ‬الامريكي‭ ‬الذي‭ ‬اسقط‭ ‬العراق‭ ‬دولة‭ ‬وسيادة‭ ‬ومؤسسات،‭ ‬والذي‭ ‬أقره‭ ‬شعب‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بأهلية‭ ‬القرار‭ ‬حينها‭ ‬هو‭ ‬دستور‭ ‬اعور‭ ‬وأعرج‭ ‬وكسيح‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬المسير‭ ‬كما‭ ‬اثبتت‭ ‬السنوات‭ ‬الخمسة‭ ‬عشر‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬اقراره‭ ‬بشهادة‭ ‬الجميع‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬من‭ ‬وضعه‭ ‬من‭ ‬احزاب‭ ‬وقوى‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مواقفهم‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬الضيقة‭ ‬والخاصة‭. ‬فالدستور‭ ‬لم‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬العراق‭ ‬ولم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬رص‭ ‬صفوف‭ ‬الشعب‭ ‬ولم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هوية‭ ‬وطنية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬خلق‭ ‬مشاعر‭ ‬انتماء‭ ‬حقيقية‭.‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬سياسياً‭:‬ان‭ ‬جميع‭ ‬الاحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬اليوم،‭ ‬هي‭ ‬أحزاب‭ ‬لا‭ ‬وطنية‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الشامل‭ ‬والحدي‭ ‬للكلمة‭. ‬فهي‭ ‬احزاب‭ ‬طائفية‭ ‬أو‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬مناطقية‭ ‬أو‭ ‬دينية،‭ ‬رغم‭ ‬تكتيكات‭ ‬تغيير‭ ‬المسميات‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬منها‭. ‬انها‭ ‬أحزاب‭ ‬كتل‭ ‬ومجموعات‭ ‬بشرية‭ ‬تسعى‭ ‬الى‭ ‬تحقيق‭ ‬اهدافها‭ ‬ومصالحها‭ ‬الذاتية‭ ‬المتنافرة‭ ‬مع‭ ‬الاهداف‭ ‬والمصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬الحقة‭ ‬والشاملة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ارتباطاتها‭ ‬الخارجية‭.‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬اقتصادياً‭:‬ان‭ ‬الاصرار‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬نمط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬للعراق‭ ‬في‭ ‬ثرواته‭ ‬النفطية‭ ‬وتحطيم‭ ‬قطاعاته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وعدم‭ ‬محاولة‭ ‬بنائها‭ ‬وتنشيطها،‭ ‬والاتكال‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬على‭ ‬المنتج‭ ‬الاجنبي‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬جني‭ ‬عوائد‭ ‬تسهيل‭ ‬تسويقه‭ ‬بالطرق‭ ‬المشروعة‭ ‬واللا‭ ‬مشروعة،‭ ‬هو‭ ‬منهج‭ ‬تدميري‭ ‬لحاضر‭ ‬العراق‭ ‬ومستقبله‭.‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬اجتماعياً‭:‬ان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مجتمع‭ ‬عراقي‭ ‬بنسيج‭ ‬وطني‭ ‬هو‭ ‬مغالطة‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬العراقيون‭ ‬شعباً‭ ‬واحداً‭! ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬الحقيقة‭ ‬المرجوة،‭ ‬لكنها‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭. ‬فعراق‭ ‬الشمال‭ ‬ليس‭ ‬عراق‭ ‬الجنوب،‭ ‬وعراق‭ ‬الشرق‭ ‬ليس‭ ‬عراق‭ ‬الغرب‭.‬كما‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬أفرزته‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬من‭ ‬تفاوتات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬وثروات‭ ‬الناس‭ ‬قد‭ ‬حفر‭ ‬خنادق‭ ‬اجتماعية‭ ‬عميقة‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭.‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬ثقافياً‭:‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬هوية‭ ‬ثقافية‭ ‬موحدة‭ ‬وطنية‭ ‬بفعل‭ ‬الانقسامات‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬السياسية‭. ‬فالشعر‭ ‬الوان‭ ‬والادب‭ ‬أصناف‭ ‬وينابيع‭ ‬المياه‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬أنهار‭ ‬متفرقة‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬بهذا‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬نمط‭ ‬ديكتاتوري‭ ‬في‭ ‬الثقافة،‭ ‬لكني‭ ‬اطمح‭ ‬إلى‭ ‬تنوع‭ ‬اثرائي‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬وحدة‭ ‬ثقافية‭ ‬وطنية‭.‬ان‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬عرضه‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬العراق‭ ‬يشير،‭ ‬دون‭ ‬لبس‭ ‬أو‭ ‬شك،‭ ‬الى‭ ‬انتحاره‭ ‬الوطني،‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى