مقالات

العراق يقف على حافة الهاوية

د. سعد ناجي جواد

الاخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام عن العراق تؤكد ان الوضع خطير بل وخطير جدا. ومن يتحدث مع من هم في داخل البلاد يستشعر حالة الرعب الكبير الذي يعيشونها، ومخاوفهم من القادم المجهول. اما قلقهم على حياتهم وحياة اطفالهم فهو ما لا يمكن وصفه بكلمات بسيطة. ولا يحق لاحد ان يلومهم، فكل السيناريوهات المحتلمة تنذر بقادم أسوأ مما مر به العراق منذ بداية الاحتلال ولحد الان.بغض النظر عن ما يقوله السياسيون المتعاونون مع الاحتلال والراغبين في بقاء القوات الامريكية من اجل مصالحهم الخاصة، او ما يقوله المعارضون الموالون لايران المطالبون بمغادرة القوات الامريكية فقط، والذين هم بالاساس جاءوا معها و وجدوا الحرية الكافية للعمل بدون حسيب او رقيب بسبب فوضى الاحتلال وما خَلَّفَه، فان مطلب خروج القوات الاجنبية من العراق، مهما كان نوعها وجنسها امر مشروع ومطلوب ووطني.ومن يقول الان ان القوات الامريكية هي ليست قوات احتلال وانها موجودة لخدمة العراق فهو اما يكذب او يفعل ذلك خدمة لمصالح امريكية. لان الاحتلال وقواته لم يفعلا شيئا غير تدمير العراق، ومن حرر محافظات العراق هم ابناءوه، وان الولايات المتحدة التي كانت على علم كامل بمخططات وتحركات تنظيم داعش الارهابي لم تفعل شيئا لوقف هذا التنظيم من احتلال ثلث الاراضي العراقية، والحقيقة الاهم هي ان الولايات المتحدة كانت ضد فكرة عملية تحرير الاراضي العراقية التي بدات عام 2016، وظلت تقترح تاجيل الامر الى سنتين او ثلاثة، بدعوى ان القوات العراقية غير مستعدة لذلك.من ناحية اخرى فان الادعاءات الاخرى التي بدات تلوكها بعض الافواه المرتبطة بالولايات المتحدة والمسخرة لتخدم اجنداتها والتي تقول بان غلق السفارة الامريكية سيؤدي الى انهيار العراق كدولة والى تجويع شعبه والى وضع العراق في شبه عزلة دولية تشبه ايام الحصار المشئوم الذي فرصته الولايات المتحدة العراقية على العراق عام 1990 واستمر لمدة ثلاثة عشر عاما عجاف وراح ضحيته ما يقارب مليوني عراقي، تبقى تفسيرات غريبة للامر، فدول عديدة لا توجد فيها سفارة اميركية، ومع ذلك تحاول الولايات المتحدة بشتى الوسائل ان تكسب رضاها. وان وجودها وسيطرتها او احتلالها للعراق لم يجلب سوى التدمير والخراب. نعم تستطيع الولايات المتحدة ان تخلق الكثير من المشاكل للعراق باسلوب البلطجة التي تتبعه او اتبعته مع دول عديدة، ولكن في المقابل ما هي الامور الايجابية التي فعلتها للعراق والعراقيين منذ فرض الحصار مرورا بالاحتلال وتدميره مما يمكن ان يفتقده او يخسره العراقيون، فلماذا التباكي على خروجها من العراق. ثم هل يُعقَل ان الولايات المتحدة التي شيدت على اراضي عراقية مغتصبة واسعة، وبطريقة الكابوي العنجهية اكبر سفارة في العالم، مستعدة ان تتركها بسهولة بعد ان جعلت منها مركزا للقيام بكل ماهو مضاد لمصالح العراق والمنطقة؟ان كل ما حصل ويحصل، حسب بعض المصادر المطلعة، هو ان اجهزة المخابرات الامريكية قد تسرب اليها معلومات مفادها ان الفصائل الموالية لايران كانت تعد العدة لكي تهاجم السفارة الاميركية في بغداد، وتاخذ موظفيها رهائن كما حدث في إيران بعد قيام الثورة. وبعد ان وجدت اميركا ان الدولة العراقية غير قادرة على حماية موظفيها اختارت فكرة نقلهم الى اربيل لمدة تسعين يوما تستطيع خلالها اعادة ترتيب حساباتها، وهي فترة تكون خلالها الانتخابات قد انتهت، ويكون الرئيس المنتخب قد تخلص من احتمال ان يفقد بعض الاصوات الانتخابية اذا ما لجأ الى استخدام القوة التي قد تشعل مواجهات يروح ضحيتها بعض الاميركان.من ناحيتها فان ايران والمليشيات المؤتمرة بامرها تدرك هذه الحقيقة وتحاول ان تُصَعِد التحدي اكبر قدر ممكن لكي تضغط على الولايات المتحدة لالغاء او لتخفيف العقوبات الصارمة والمتزايدة التي تفرضها على ايران. بمعنى اخر ان ما تفعله ايران هو ليس حبا بالعراق والعراقيين وانما لمصلحتها هي. والدليل على ذلك انه عندما هددت الولايات المتحدة ايران وقادة الفصائل الموالية لها في العراق، صدرت تصريحات ايرانية رسمية استنكرت العمليات التي تطال الدبلوماسيين، ثم تهافت قادة الفصائل الموالية بشكل مضحك ومهين في تبرئة انفسهم من كل عمل قد اغضب الولايات المتحدة، في الوقت الذي كان العالم كله قد شاهدهم وهم يقودون المظاهرات التي هاجمت السفارة الامريكية في بغداد في اليوم الاخير من العام الماضي. كما ان الولايات المتحدة زودت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بوثائق وتسجيلات صوتية تثبت (تآمر) قادة هذه الفصائل على الاطاحة به. الامر الذي اسقط في يدهم وجعلهم يحاولون استرضاء رئيس الوزراء بأي ثمن في العلن، مع استمرار هم في العمل على الاطاحة به او ربما اغتياله في الخفاء.حكومة اقليم كردستان العراق والتي افرحها كثيرا اهتمام واشنطن الجديد بها، (بعد فترة من الانتقادات الامريكية لطريقة ادارتها للاقليم وتسلطها وفسادها وخلق المشاكل مع المركز)، اعتبرت ان نقل السفارة الامريكية وغيرها من السفارات الاوربية وربما بعض العربية، اعلاءا جديدا لمكانتها ولتفاخرها بكونها منطقة امنة مستقرة، وانها لاتزال بيضة القبان في السياسة الامريكية، تلقت من جانبها ضربة موجعة وغير متوقعة عندما اطلق فصيل مسلح جديد يطلق على نفسه (اولو العزم) ستة صواريخ سقطت في محيط مطار اربيل الدولي. وتضاربت الانباء عن هدف هذه الصواريخ فهناك من قال انها كانت تستهدف القاعدة الامريكية القريبة من المطار، واخرون قالوا انها كانت موجهة ضد مقر الحزب الديمقراطي الكردي الايراني المعارض للنظام في طهران. ومهما كان الهدف فانه يعني رسالة ايرانية واضحة لواشنطن ولحكومة الاقليم مفادها ان اي بقعة في العراق لن تكون آمنة للتواجد الامريكي.كل هذه التطورات تنبيء باحتمالات خطيرة قد لا تحمد عقباها. فهناك احتمال كبير ان ترد القوات الامريكية بضربات جوية تدعي فيها بانها موجهة الى (المليشيات المنفلتة)، وهناك احتمال ان تُستَخدَم قوات عراقية لمهاجمة بعض الفصائل المسلحة والتي تتبجح بعملياتها ضد القوات الامريكية وتحديها لحكومة وقرارت السيد الكاظمي، وهناك احتمال ثالث ان تندلع مواجهات بين الفصائل والمليشيات التابعة لايران وتلك التي توالي الولايات المتحدة. وكل هذه الاحتمالات التي لا يمكن التكهن بنتائجها، سيكون لها بالتاكيد تاثير سيء على حياة وامن المواطنيين العاديين والذين سقط منهم ضحايا ابرياء كثيرون من جراء الاستخدام غير المنضبط للسلاح من كل الاطراف، سواء كانت القوات الامريكية او المليشيات المسلحة.ان الغاية من كتابة هذه الكلمات هي ليست للتشفي بالولايات المتحدة وما يحدث لدبلوماسييها وقواتها في العراق، وانما لتذكير من كانت ذاكرته ضعيفة ببعض الحقائق. اليست الولايات المتحدة هي من ابتدع وتبنى فكرة الفوضى الخلاقه وطبقها في العراق؟ اليست الولايات المتحدة هي من حلت القوات المسلحة العراقية واستبدلتها بقوات قوامها المليشيات المسلحة، والتي كانت غالبيتها العظمى قد اتت من الخارج مع سلاحها، والتي لا ولاء لها للعراق كدولة وانما الى الاحزاب التي تنتمي اليها؟ اليست الولايات المتحدة هي من جعل العراق ساحة مفتوحة للحركات الارهابية، واخيرا اليست هي من شجع، ولا يزال يشجع ويمول التنظيمات الارهابية والمليشيات المسلحة بدعوى انها مفيدة للعمل ضد الانظمة التي لا تنسجم مع سياستها؟خلاصة الكلام ان العراق مقبل على ايام واسابيع وربما اشهر حبلى بالتطورات والاحداث المقلقة والحرجة وربما الدموية، سيكون اخطرها هو الصراع بين الدولة والمليشيات المسلحة التي تحاول ان تسقط شرعيتها وقدرتها على ادارة الامور، والتي نجحت (المليشيات) لحد الان في فعل ذلك امام تردد الحكومة. ويوازيها في الخطر هو ان تلجا الولايات المتحدة الى اسلوب القصف الجوي للفصائل التي تعتقد انها هي من يطلق الصواريخ عليها، هذا القصف الذي لا يفرق بين ماهو مدني او عسكري، والذي سيقود الى ردود مقابلة.اما الولايات المتحدة فانها تجني نتائج تبنيها لسياسة الفوضى الخلاقة التي ارادت من ورائه ان يقتتل العراقيون فيما بينهم لكي يصلوا الى (الديمقراطية) التي خدعوا الشعب العراقي بها. هذه الفوضى التي بدات الان تطالهم وتطال دبلوماسييهم وجنودهم. علما بان كل هذا التدمير الذي الحقوه بالعراق لم يجعلهم يفكروا في طريقة جدية يساعدوا فيها العراق على بناء دولة امنة مستقرة، وظل همهم الاول والاخير هو دفع الحكومة باتجاه التطبيع مع اسرائيل، وهذا موضوع يحتاج الى نقاش اخر.ويبقى المخرج الوحيد لهذه الازمة الخانقة والخطيرة يتمثل في ان يسعى العراقيون انفسهم الى بناء قواتهم المسلحة المهنية الكفوءة والقادرة على حصر السلاح بيدها، وحكومتهم القوية البعيدة عن المحاصصة والقادرة على محاربة الفساد. عكس ذلك سيتحول العراق الى دولة مليشيات وامراء حرب يخدمون اجندات اجنبية وشخصية الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى