مقالات

العرب‭..‬والحيرة

د. نزار محمود

ان‭ ‬ما‭ ‬نعيشه،‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬من‭ ‬حيرة‭ ‬وتعجب‭ ‬وتخبط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفهمه‭ ‬في‭ ‬أسبابه‭ ‬وحيثياته‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬التيه‭ ‬والفوضى‭ ‬واللا‭ ‬أبالية،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بمسؤولية‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬ومعطيات‭ ‬وبالتالي‭ ‬ندفع‭ ‬ثمن‭ ‬الغفلة‭ ‬والتخلف‭.‬

لماذا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬حيرة؟عندما‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬درايته‭ ‬بمعنى‭ ‬حياته‭ ‬وأهدافها‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بتحقيقها،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬احداثيات‭ ‬موقع‭ ‬وقوفه،‭ ‬ولا‭ ‬اتجاه‭ ‬سيره،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬ايمانه‭ ‬الصادق‭ ‬والواعي‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره،‭ ‬فإنه‭ ‬يعيش‭ ‬بالتأكيد‭ ‬حالة‭ ‬حيرة‭ ‬مؤذية‭.‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬العجب؟لقد‭ ‬قيل‭ ‬منذ‭ ‬بعيد‭ ‬الزمن‭: ‬إذا‭ ‬عرف‭ ‬السبب‭ ‬بطل‭ ‬العجب‭! ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬وقفنا‭ ‬على‭ ‬صحتها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الشخصية‭ ‬والعملية‭.‬فما‭ ‬أن‭ ‬عرفنا‭ ‬سبب‭ ‬مرضنا،‭ ‬مثلاً،‭ ‬وتأثيرات‭ ‬علاجاته،‭ ‬حتى‭ ‬ذهب‭ ‬عنا‭ ‬العجب،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭.‬أما‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬حياة‭ ‬تخبط‭ ‬في‭ ‬مواقفنا‭ ‬وتصرفاتنا‭ ‬فهي‭ ‬مسألة‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬لحيرتنا‭ ‬وتعجبنا‭.‬تعالوا‭ ‬نبحث‭ ‬ونتحوار‭ ‬سوية‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ “‬الورطة‭” ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬وسبل‭ ‬تجاوزها‭:‬يبدأ‭ ‬الإنسان‭ ‬رضيعاً‭ ‬وينمو‭ ‬طفلاً‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬وعقله‭ ‬وجسده،‭ ‬ومعه‭ ‬تتبلور‭ ‬افكاره‭ ‬وتتعزز‭ ‬قدراته‭ ‬وتتحدد‭ ‬رؤيته‭ ‬للحياة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭. ‬وهذا،‭ ‬بالتحديد،‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الحيوان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفقه‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬سوى‭ ‬سعيه‭ ‬لاشباع‭ ‬غرائزه‭ ‬في‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭ ‬والجنس‭. ‬هذه‭ ‬الميزة،‭ ‬وبالتحديد،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬له‭ ‬الحيرة‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أجوبة‭ ‬على‭ ‬أسئلة،‭ ‬مثل‭: ‬لماذا‭ ‬أعيش،‭ ‬ومتى‭ ‬أموت،‭ ‬وهل‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭ ‬محددة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬كما‭ ‬يمتلكها‭ ‬آخرون؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬أحلم‭ ‬به‭ ‬وأريده؟لماذا‭ ‬يتوجب‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أتعجب‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬معرفتي‭ ‬وجهلي‭ ‬بأسباب‭ ‬ما‭ ‬أتعجب‭ ‬منه؟ان‭ ‬تخبطي‭ ‬اذن‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬حتمية‭!‬حيرة‭ ‬العرب‭:‬ان‭ ‬يجد‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬حيرة،‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬في‭ ‬أسبابه‭. ‬انهم‭ ‬أمة‭ ‬يتلبسهم‭ ‬الضعف‭ ‬بسبب‭ ‬خلافاتهم‭ ‬وتناحراتهم‭ ‬وعدم‭ ‬استعدادهم‭ ‬للعمل‭ ‬والتعاون،‭ ‬وبالتالي‭ ‬شعورهم‭ ‬بالذل‭ ‬وهوانهم‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭

. ‬انهم‭ ‬أمة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬ولا‭ ‬يدرون‭ ‬الى‭ ‬أين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسيرون‭. ‬انهم‭ ‬يعيشون‭ ‬الحيرة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬أدوه‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬وما‭ ‬بنوه‭ ‬من‭ ‬حضارة،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬سفه‭ ‬وجهل‭ ‬وتخلف‭.‬وكونهم‭ ‬يعجبون‭ ‬مما‭ ‬هم‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬عجب‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭! ‬فلينظروا‭ ‬الى‭ ‬انفسهم‭ ‬في‭ ‬كسلهم‭ ‬وعدم‭ ‬تعاونهم،‭ ‬ولينظروا‭ ‬الى‭ ‬شحة‭ ‬ما‭ ‬يضيفوه‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬وفنون،‭ ‬ولينصفوا‭ ‬في‭ ‬حكمهم‭ ‬على‭ ‬الضعفاء‭ ‬فيهم‭. ‬انظروا‭ ‬كم‭ ‬تتفاوت‭ ‬ثرواتنا،‭ ‬وكم‭ ‬هي‭ ‬قسوتنا‭ ‬على‭ ‬بعضنا،‭ ‬وهزالة‭ ‬نخوتنا‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يستصرخنا‭ ‬من‭ ‬أهلنا،‭ ‬وتسارعنا‭ ‬الى‭ ‬العمالة‭ ‬والخيانة‭. ‬

لقد‭ ‬أضحت‭ ‬معارضاتنا‭ ‬تمردات‭ ‬دون‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬جدوى،‭ ‬لا‭ ‬تقابلها‭ ‬سوى‭ ‬سلطات‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬القمع‭ ‬والارهاب‭ ‬والتشبث‭ ‬بكراسيها‭ ‬سبيلاً‭ ‬لبقائها‭ ‬وحياتها‭. ‬لقد‭ ‬داخ‭ ‬فينا‭ ‬العقل،‭ ‬وقسا‭ ‬القلب،‭ ‬وتراخت‭ ‬أذرعنا‭ ‬وهبطت‭ ‬هممنا،‭ ‬فأمسينا‭ ‬جثثاً‭ ‬تتناهشنا‭ ‬الذئاب‭ ‬وتلعب‭ ‬فينا‭ ‬الثعالب‭ ‬وتطاردنا‭ ‬الكلاب‭ ‬السائبة‭.

‬وهل‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬قد‭ ‬أصبحنا‭ ‬على‭ ‬بينة‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬حيرتنا‭ ‬وعجبنا‭ ‬وتخبطنا؟‭!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى