مقالات

العروبة المؤنسنة

العروبة المؤنسنة – منقذ داغر

أعلم أنه عنوان مستفز ذلك الذي يستبطن ضمناً أن العروبة قد لا تكون إنسانية. وسيكون العنوان أكثر إستفزازاً لمن هم مثلي يؤمنون ويعشقون مفهوم العروبة. لكني مثل غيري ممن صُدِموا بممارسات القومية المتسلطة والمتحكمة بإنسانية البشر وآدميتهم تحت مفهوم العروبة،بدأتُ منذ مدة ليست بالقصيرة بمراجعة مفهوم العروبة لنزع فتيل ما قد يؤدي الى تحوله الى قنبلة لا انسانية مدمرة. أجل،إيماني بالعروبة جعلني أتأثر بأفكار كل القوميين العرب،بل وفي فترات من حياتي بررتُ لهم ممارساتهم اللا إنسانية في ظل جدار من الدوغمائية الفكرية التي كانت تحجب وتغيّب (احياناً) أهم ما في الانسان،عقله وإنسانيته. وبعد كل هذه السنين والتجارب فأن الحقيقة الوحيدة التي لم تستطع أي أفكار أو ممارسات تغييبها رغم كل الظروف هي أني أنسان ولُدت كي أكون إنساناً قبل أن أعي او أُلقّن أني عربي.وكم تساءلتُ خلال السنوات الأخيرة عما يميزني عن الإسلاموي والمسيحي واليهودي الذي لا يؤمن بحدود الوطن بل بحدود الدين. فأينما يصل دينه فهو وطنه! وأينما تمطر غيوم عقيدته الدينية تزدهر أورادُ وطنه الديني! أنا كقومي عروبي أيضاً لا أؤمن بالحدود(المصطنعة) لأقطارنا-لاحظ مصطلح أقطار وليس دول- العربية. كما أؤمن ان الشعب-وليس الشعوب-العربية واحدة! وعندما واجهتنا أزمة ومفارقة الإثنيات الأخرى التي تتساكن وتتشارك معنا نفس الأرض لجأنا الى حل تركيبي مصطنع يفيد بأنهم عرب وإن لم ينتموا!! وبذلك شطبنا بجرة قلم هوياتهم الإثنية لصالح هويتنا القومية واعتبرنا ذلك فتحاً عظيماً. وبنفس الطريقة تساءلت عما يميزني عن الشيوعي الأممي الذي يؤمن بحدوده الايدلوجية التي تمتد لتشمل كل الكوكب بدلاً من حدوده الوطنية!من جانب آخر فان شعوري القوي بعروبتي يجعل من الصعب عليّ إنكارها،فكيف يمكن التوفيق إذن بين هويتي العروبية،ونزعتي الإنسانية وحدودي الوطنية؟! لذلك بحثتُ في فكرة أنسنة القومية،أو العروبة اللاقومية.وكنت اعتقد انني متفرداً في تفكيري وحيرتي هذه حتى أطلعت اليوم على ما طرحه صديقي الاستاذ عبد الحسين شعبان في منتدى أصيلة في المغرب قبل أيام وأسماه بالتصور اللاقومي للعروبة،والذي يميز بينها وبين القومية. فالعروبة، وفق تعريفه، “هوية جامعة ذات بعد حضاري وثقافي، وهي رابط وجداني يربط الأمة من المحيط إلى الخليج بينما “القومية فعل سياسي بشحنة إيديولوجية”.فالعروبة القوميةهي “عروبة سياسية مفرّقةواستعلائية متعصبةعلى حد وصفه،بينما العروبة التي ننشدها هي العروبة الثقافية الحضارية الواقعية المؤنسنة.ان أنسنة العروبة في رأيي يمثل حلاً لإشكالية ايدلوجية سياسية وقعنا فيها بعد الاحتلال العثماني متأثرين بعصر القومية الاوربية. وفي الوقت الذي استطاع فيه الاوربيون تطوير نماذج قومية إنسانية تضع فيها الإنسان وحقوقه فوق القومية واستحقاقاتها المؤدلجة فاننا في العراق والعالم العربي لازلنا تائهين في الخيارات التغالبية الحصرية وغير التوفيقية،بين عروبة قومية ،وإسلاموية لا حدودية،وشيوعية أممية. فالعروبي يعتقد ان قوميته هي الهوية الجامعة،والاسلاموي يعتقد ان اسلامه او دينه يفرض عليه هوية دينية لا تعررف بحدود قومية او وطنية،والأممي يعتقد ان أيدلوجيته هي التي يجب ان تطبق في كل العالم. وفي كل هذه التصورات ننسى ما يمثله الوطن من قيمة هوياتية إنسانية تضم مختلف الاديان والطوائف والقوميات والايدلوجيات التي عليها ان تتعايش ولا تتغالب ضمن رقعة جغرافية محددة. إن عروبتنا أو أي هوية فرعية أخرى هي واقع لا نستطيع تجاهله او تجاوزه،لكن في ظل تطور المفاهيم وعولمة الانسانية فانها يجب ان لا تتقدم على عراقيتنا او على اي هوية وطنية لأي بلد في العالم. فالقومية مثلما الاسلاموية مثلما سواها من العقائد المؤدلجة يمكن ان تتحول الى سلاح دمار شامل مالم يتم أنسنتها من خلال الاعتراف بوجودها والانكار لعُلويتها.{ خبير في الاستطلاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى