مقالات

المبادرة والابتكار والتعليم

د. نزار محمود

هناك‭ ‬مئات‭ ‬وآلاف‭ ‬البرامج‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تعلم‭ ‬معها‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬البشر‭. ‬بيد‭ ‬ان‭ ‬المبدعين‭ ‬فيهم‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬حفنة‭ ‬آلاف‭. ‬لقد‭ ‬تقدمت‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابداع‭ ‬القلة‭ ‬القليلة‭ ‬من‭ ‬أبنائها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬زملاء‭ ‬التعلم‭ ‬معهم‭ ‬سوى‭ ‬فرق‭ ‬كومبارس‭! ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يشكل‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬قنوات‭ ‬نقل‭ ‬لمياه‭ ‬المعرفة‭ ‬والابداع‭ ‬المنتجة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭.‬لكن‭ ‬هل‭ ‬ان‭ ‬أمر‭ ‬تجاوز‭ ‬“التعليم‭ ‬البائر”‭ ‬بتلك‭ ‬السهولة؟‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭. ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬اذن،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬اشتراطات‭ ‬تحقيقه؟من‭ ‬السهولة‭ ‬بمكان‭ ‬ان‭ ‬نجيب‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬الاشتراطات‭ ‬هي‭ ‬فلسفية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬وحضارية‭ ‬وسياسية‭ ‬وتربوية‭ ‬ونفسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭! ‬لكن‭ ‬الصعوبة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نعنيه‭ ‬بتلك‭ ‬الاشتراطات‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬تعليم‭ ‬الابداع‭ ‬والابتكار‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتقدم‭ ‬شعب‭ ‬دونه،‭ ‬وكيفية‭ ‬ذلك‭.‬الاشتراطات‭ ‬الواجبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعليم‭ ‬المبادرة‭ ‬والابداع‭:‬الايمان‭ ‬المطلق‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬تسير‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يتابع‭ ‬سيرها‭ ‬سينتهي‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬الى‭ ‬التخلف‭. ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬يتطلب‭ ‬دوام‭ ‬السباحة‭ ‬عكس‭ ‬تيار‭ ‬تقدم‭ ‬الزمن،‭ ‬وبعكسه‭ ‬يجرفه‭ ‬سيل‭ ‬مائه‭ ‬الدافق‭.‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬دوام‭ ‬تعلم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬لأنها‭ ‬سنة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تموت‭ ‬حين‭ ‬يتوقف‭ ‬تطورها‭.‬من‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬بجديد‭ ‬فليس‭ ‬بجديد‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬ليس‭ ‬بجديد‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬يصبح‭ ‬بماضيه‭ ‬عبئاً‭ ‬عليها‭.‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬تخلقه‭ ‬المبادرة‭ ‬ويخترعه‭ ‬الابداع،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬شرط‭ ‬بديل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التقدم‭.‬المبادرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستثيرها‭ ‬التربية‭ ‬والحاضنة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عموماً،‭ ‬والابداع‭ ‬يحفزه‭ ‬التعليم‭ ‬والتوجيه‭ ‬الصحيح‭.‬ان‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭/ ‬التعلم‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬مقرراتها‭ ‬وأساليب‭ ‬اختباراتها‭ ‬على‭ ‬فحص‭ ‬درجات‭ ‬تحفز‭ ‬المتعلمين‭ ‬على‭ ‬الاستعداد‭ ‬للمبادرة‭ ‬والتمكن‭ ‬من‭ ‬للابداع‭.‬ان‭ ‬شروط‭ ‬اشغال‭ ‬الوظائف‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬بغير‭ ‬شروط‭ ‬الاستعداد‭ ‬للمبادرة‭ ‬فكراً‭ ‬وسلوكاً،‭ ‬والتهيؤ‭ ‬للابداع‭.‬ان‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬اشتراطات‭ ‬يتطلب‭ ‬اعادة‭ ‬نظر‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬وطرق‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريس‭: ‬أهدافاً‭ ‬ومحتويات‭ ‬وطرق‭ ‬تعليم‭ ‬واختبار‭.‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ادارة‭ ‬تعليم‭ ‬المبادرة‭ ‬والابتكار‭:‬تشكل‭ ‬الدولة‭ ‬الاطار‭ ‬السياسي‭ ‬والتشريعي‭ ‬لادارة‭ ‬المجتمع‭ ‬وبنائه‭. ‬وبهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬فإن‭ ‬ادارة‭ ‬التعليم‭ ‬تكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬أساسية‭. ‬فالتعليم‭ ‬يحدد‭ ‬في‭ ‬مخرجاته،‭ ‬أسس‭ ‬بناء‭ ‬وتطوير‭ ‬المجتمعات‭. ‬فهو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الى‭ ‬بناء‭ ‬اذن‭ ‬وليس‭ ‬الغاية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬من‭ ‬شهادات‭ ‬وما‭ ‬يسطر‭ ‬من‭ ‬أرقام‭ ‬خريجين‭.‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬دائم‭ ‬والشعوب‭ ‬في‭ ‬تنافس‭ ‬مستمر،‭ ‬يصبح‭ ‬التعليم‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬مخرجاته‭ ‬وقيمه‭ ‬المضافة‭ ‬المتنافسة‭ ‬هدفاً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬ادارة‭ ‬الدولة‭.‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬ادارة‭ ‬الدولة‭ ‬بخصوص‭ ‬ادارة‭ ‬تعليم‭ ‬المبادرة‭ ‬والابداع؟على‭ ‬الدولة‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬ادارة‭ ‬اقتصادية‭ ‬تؤمن‭ ‬التنافس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السوق‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬عناصره‭ ‬وميكانيكياته،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬قواه‭ ‬البشرية‭.‬رعاية‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الكفاءة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لسوق‭ ‬العمل‭ ‬وما‭ ‬تفرزه‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬عنصر‭ ‬العمل‭.‬استثمار‭ ‬الريع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬موارد‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ايجاد‭ ‬بنى‭ ‬تحتية‭ ‬تشكل‭ ‬أسس‭ ‬تعليم‭ ‬المبادرة‭ ‬والابداع‭ ‬في‭ ‬مناهجه‭ ‬ومحفزاته‭ ‬وكفاءة‭ ‬مخرجاته‭.‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬تحول‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الى‭ ‬مخازن‭ ‬لاستيعاب‭ ‬حملة‭ ‬الخريجين‭ ‬ومقاه‭ ‬لقضاء‭ ‬الوقت‭ ‬واللهو‭ ‬والعمل‭ ‬غير‭ ‬المنتج‭ ‬المنافس‭.‬اعتماد‭ ‬أسس‭ ‬الجدوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والحوكمة‭ ‬الادارية‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬الاعمال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العاملين‭.‬رفع‭ ‬شعار‭: ‬ماذا‭ ‬أستطيع‭ ‬انجازه،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭: ‬ماذا‭ ‬أعرف‭ ‬وماذا‭ ‬أحمل‭ ‬من‭ ‬شهادة،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬ومخرجاته‭.‬دعم‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬وفق‭ ‬نجاحاتها‭ ‬في‭ ‬مخرجاتها‭ ‬المنعكسة‭ ‬في‭ ‬انجازات‭ ‬خريجيها‭.‬الرعاية‭ ‬الخاصة‭ ‬لمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬الشهادات‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬عملاً،‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬تأهيل،‭ ‬وتسهيل‭ ‬تطبيق،‭ ‬ورعاية‭ ‬تأسيس‭ ‬لمشاريع،‭ ‬ومرافقة‭ ‬دعم‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬للعمل‭.‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬انتهي‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬المقال،‭ ‬هاجمني‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬هاتفي‭ ‬خبران‭: ‬الأول،‭ ‬اسعار‭ ‬صرف‭ ‬الدولار‭ ‬الذي‭ ‬يقارب‭ ‬‮١٥٠٠‬‭ ‬دينار‭ ‬عراقي،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬الدينار‭ ‬العراقي‭ ‬الواحد‭ ‬يعادل‭ ‬‮٣‬‭,‬‮٣‬‭ ‬دولار،‭ ‬والخبر‭ ‬الثاني،‭ ‬ضبط‭ ‬النزاهة‭ ‬لعشرات‭ ‬حالات‭ ‬المخالفات‭ ( ‬والتي‭ ‬ستنتهي،‭ ‬كالعادة،‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الخبر)!‭.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى