تقارير وتحقيقات

المحاكم سجلت نحو 1600 حالة خلال عام واحد.. العنف ضد الأطفال آفة تتفاقم

على الرغم من العقوبات التي فرضتها القوانين النافذة والتي تصل إلى حد سلب الأطفال من ‏ذويهم، مازالت ظاهرة العنف ضد الطفل تتفاقم، فقد سجلت المحاكم العراقية 1606 دعوى ‏بهذا الشأن خلال العام الماضي، طبقا لإحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى، بغض النظر ‏عن تلك التي بقيت خلف الأبواب الموصدة ولم تسجلها المحاكم بسبب قلة الوعي القانوني ‏والأعراف الاجتماعية. ‏وفيما يرى قاض متخصص بالعنف الأسري أن العقوبات الواردة في القوانين كافية لردع هذه ‏الظاهرة، يؤكد خبير قانوني الحاجة الى تشريع موحد خاص يلائم الأعراف العراقية.‏ قال قاضي محكمة العنف الاسري في الرصافة علي كمال في ” إن “تعنيف ‏الأطفال يأخذ صورا متعددة منها الاهمال والضرب فضلا عن الاعتداءات الجسدية والنفسية ‏والجنسية المختلفة التي تمارس ضد الاطفال من قبل ذويهم او ممن هم على رعايتهم سواء ‏كان الاب او غيره”.‏وتابع كمال أن “الآونة الاخيرة شهدت انتشارا لهذه الظاهرة وتناقلت وسائل التواصل ‏الاجتماعي وكافة وسائل الاعلام صورا وفيديوهات لاعتداءات على الاطفال في مناطق مختلفة ‏من البلاد”.وعن الموقف القانوني والتشريعي يذكر القاضي ان “قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ‏المعدل وكذلك قانون رعاية الاحداث العراقي قد تناولا اهم العقوبات بهذا الخصوص، اذ أكد ‏قانون رعاية الاحداث على عقوبة سلب الولاية من الاب او الام في حال تعرض الطفل للاساءة ‏او الاعتداءات فضلا عن كون القانون ترك للمحكمة المختصة السلطة الواسعة في تقدير متى ‏وكيف يتم ذلك”.‏وأضاف ان “جميع العقوبات المشار إليها في القوانين النافذة هي كافية وملائمة وكفيلة للحد ‏من انتشار حالات العنف ضد الاطفال”.‏واشار كمال الى “انه هناك ممارسات تتم من خلال اجبار الاطفال على الاعمال وهم دون ‏السن القانونية وتجدر الاشارة الى انه هناك تطبيقات كثيرة تشهدها المحاكم العراقية تخضع ‏لرقابة جهات الطعن”.‏ولفت الى ان “هذه الظاهرة تترك على الطفل المعنف آثارا سيئة سواء كانت على سلوكه او ‏نفسيته جراء الخوف والقلق الذي يتعرض له”.‏قوانين عراقية بحتةبدوره ذكر الخبير القانوني الدكتور علي التميمي ” ان “هناك ضمانات ‏لحقوق الاطفال موجودة في الاتفاقيات الدولية، والعراق أحد البلدان الموقعة على تلك الاتفاقيات ‏فضلا عن كون الدستور العراقي اقتبس بعض مواده في ما يخص حماية الطفولة لاسيما ‏المادتين 29 و30 من تلك الاتفاقيات”.‏وأضاف التميمي ان “هناك قوانين متعددة لحماية الطفولة مثل قانون رعاية الاحداث والذي ‏قسمهم الى اطفال وصبية دون 18 عاما واوجب عقوبات على الولي او اي شخص يقوم ‏بتعذيب الاطفال، اضافة الى ان قانون رعاية القاصرين رقم 97 لسنة 1980 الذي تطرق في ‏بعض مواده الى حماية حقوق الطفل وكذلك الحال بالنسبة لقانون العمل رقم 35 لسنة 2015 ‏حيث اشارت بعض فقراته الى مسألة حماية حق الطفولة”.‏واوضح التميمي ان “قوانين اخرى أوجبت تواجد محكمة مختصة لمحاكمة الاحداث بحيث لا ‏يجوز توقيف الحدث بالمخالفات وان تكون الجلسة سرية حفاظا على حق الحدث، إضافة الى ‏تدابير واحكام الضم وحقه بالميراث”.‏وانتقد التميمي “تبعثر التشريعات والمواد الخاصة بحماية الطفولة اضافة الى أن بعض ‏القوانين صدرت منذ دهر طويل ولا تنسجم مع تعقيدات الحياة والتطور في مجالات ‏التكنولوجيا والوضع الاقتصادي وتشعبات الحياة وصعوبتها”.‏وأكد الخبير القانوني “ضرورة تشريع قانون (حماية الأسرة من العنف) وصياغته صياغة ‏حديثة تنسجم مع الأعراف العراقية والشريعة الإسلامية وبعيدة عن الاقتباسات المأخوذة من ‏القوانين الاجنبية لانه كلما كان القانون عراقيا كان سهل التطبيق ويضمن حقوق الطفولة وفقا ‏للقيم العراقية”.‏الاضرار النفسية ‏بدورها، ذكرت الباحثة الاجتماعية الدكتورة نضال العبادي أن “العنف ‏يعرف اصطلاحاً بأنّه استخدام القوة بطريقة غير قانونية، أو التهديد باستخدامها من أجل ‏التسبّب بالضرر والأذى للآخرين، ويُعرّف العنف في علم الاجتماع على أنّه اللجوء إلى الأذى ‏من أجل تفكيك العلاقات الأسرية”.‏واضافت ان “للعنف تأثيرا على الحالة النفسية والعصبية للطفل المعنف وقد يؤدي الى ‏انخفاضً في سُمك غلاف “المايلين” للألياف العصبية عن الانسان الطبيعي عن أدمغة مَن ‏تعرضوا لمعاملة حادة في طفولتهم”.‏ورجحت أن “استمرار التعرض للعنف لمدة طويلة، في فترة الطفولة، يُحدث خللًا دائمًا في ‏الألياف العصبية بالمخ، التي تتشكل في أثناء العقدين الأولين من حياة الإنسان، وهو ما يُحتمل ‏أن يدفع الشخص إلى الانتحار”.‏واضحت العبادي انه “يمكن توضيح الأمر على نحوٍ علمي مبسط، فلو تخيلنا أن الشكل الأمثل ‏لعمل الدماغ يعتمد على إطلاق إشارات كهربائية تُعَدُّ بمنزلة رسائل لأعضاء الجسم، حينها ‏ستكون الخلايا العصبية هي ساعي البريد الذي يسافر مسافاتٍ طويلة لنقل الرسالة، ويقوم في ‏هذه الحالة بتسليمها لساعٍ آخر”خلية عصبية أخرى”، وهكذا حتى تصل إلى مناطق الجسم”.‏وتابعت ان “الطريق الذي يصل بين الخلايا العصبية يسمى “محورًا عصبيًّا”، وللحفاظ على ‏سلامة الرسالة “الإشارة الكهربائية” جرى عزل “المحور العصبي” وحمايته من خلال إحاطته ‏بمادة دهنية بيضاء يطلق عليها “مايلين”، هذه المادة تتكون خلال مرحلة الطفولة، وتتراكم ‏تدريجيًّا في عملية تُعرف باسم “ميليناتيون”، في إشارة إلى تشكيل مادة “المايلين”، ثم تستمر ‏في النضج حتى سن البلوغ المبكر”.‏ولفتت الى ان “المحنة التي يتعرض لها في مرحلة مبكرة من الحياة، قد تعطل بشكل دائم ‏مجموعةً من الوظائف العصبية في القشرة الحزامية الأمامية للمخ،والتي تؤدي دورًا بارزًا في ‏عمليات صنع القرار وإدارة المشاعر والعاطفة”.‏وتطرقت العبادي الى الجانب النفسي للطفل المعنف والذي تكون له اسباب عديدة منها ان ‏الشباب يكونون عنيفين ويكرّرون ما فعله آباؤهم بهم وكأنّ دورة العنف تنتقل من جيل الى ‏اخر”.‏وبينت ان “العنف الأسري قد يكون لفظياً فيه الصراخ والعويل والشتائم بين أفراد الأسرة ‏وبكل الاتجاهات، وقد يكون عنفاً بدنياً فالطفل الذي يشاهد عنفاً بين والديه ستنمو لديه مشكلة ‏او عقدة تتلخّص بأن إثبات الذات في المجتمع يتم عبر استعمال القوة، وسينمو عنده الجانب ‏الانفعالي على حساب الجانب العقلاني”.‏وتضيف انه “عندما تعنف الأم الأب، من خلال ضربه أو إجباره على تنفيذ أمور لأنها تتحكّم ‏بالأسرة اقتصادياً، سيكره الطفل شخصية أبويه ولا يتوحّد نفسياً مع أي منهما ولا يعتبر أي ‏منهما مثله الأعلى وسيكون هذا الطفل مشروع شخصية بلامشاعر يعذّب القطط والكلاب ولا ‏يتألم لألم الآخرين لا بل يتلذّذ بتعذيبهم لذا يمكن القول ان العنف الذي يتعرّض له الإنسان في ‏الطفولة قد يجعله أكثر ميلاً للتطرف”.‏واكدت ان “هناك حاجة ماسة لتفعيل الاجراءات التنفيذية وتشريع قوانين جديدة وفق متطلبات ‏الحاجة ووفق ما توصل اليه المجتمع من عنف وسلبيات اجتماعية بكل مجالات الحياة, وان ‏يكون للسلطة القضائية دور كبير في سن ومعالجة ظاهرة العنف الأسري”، واعتبرت العبادي ‏‏”ارتفاع منسوب قضايا العنف لعدة أسباب منها تداعيات نفسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ‏أمنية وسياسية انعكست بشكل كبير على الأسر والمجتمع”.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى