مقالات

الملك فيصل الأول.. الامس واليوم والغد!!

مازن صاحب

اخلفت الآراء العراقية على تويتر عن صحة مقولة الملك فيصل الأول ((أقول وقلبي ملآن أسى، أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت)).

كانت البداية حين نقلها الزميل كفاح محمود السنجري ليربط ما بين اليوم وما كان في الامس البعيد، فانبرى الدكتور هيثم الهيتي بالنفي المطلق لوجود هذه العبارات ، ولان القول المأثور عراقيا البحث عن الرجل المناسب ، اتصلت بأستاذنا الدكتور مؤيد الونداوي، أستاذ مادة تاريخ العراق الحديث، والمحقق المعروف في الوثائق البريطانية عن العراق، فكان رده (( الوثيقة موجوده عندي بخط يد الملك التي كتبت بقلمه ووجهت لعدد من الشخصيات العراقية في حينه ليستأنس الملك بوجهات نظرهم عن اليات تحويل العراق الى”دولة – الامة ” وتتضمن هذه الوثيقة ملاحظات الشخصية التي ارسلت اليه مدونا على اصل الوثيقة أيضا بخط قلمه )) .

بعدها بساعات ،تشرفت باتصال هاتفي مع استاذنا الونداوي، الذي تتلمذت علي يديه في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد ، ليشرح قراءته عن هذه الوثيقة ، مبينا بلغة اكاديمية رصينة (( الوثيقة موجوده ومنشورة في كتاب تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني أصلا ، ما امتلكه نص الوثيقة مع تعليقات الشخصية التي أرسلت اليه ، تعرف ان الأصل في قراءة التاريخ كيف ننظر له اليوم وما يمكن ان نستفيد منه مستقبلا )) موضحا (( المشكلة في من يقرأ هذه الوثيقة وكيفية تحليلها، واقع الأمور ان التحول الى “دولة – الامة ” كان احد ابرز العناوين التي تناقش من قبل الملك فيصل الأول ليس فقط مع الشخصيات العراقية البارزة التي ارسل لهم هذه الرسالة بل أيضا هناك إشارات حيوية عن هذا المضمون في المراسلات البريطانية التي اتخصص بها)).

في ضوء ذلك يبدو من الممكن القول:

أولا: تاريخ العراق الحديث صنع من قبل شخصيات معروفة ما بعد الحرب العالمية الأولى وتحويل ” كتل بشرية” الى “دولة – الامة ” ليس بالمهمة الاسهل لتقبل في عصبة الأمم المتحدة مقابل مفاهيم عشائرية ودينية تنسجم في مضمون ” التكليف الشرعي بمفهومي البيعة والتقليد ” خارج سياق تلك المعايير الجديدة لتأسيس الدول وانضمامها لعصبة الأمم المتحدة وزادت أولوية هذه المعايير في ميثاق الأمم المتحدة ما بعد الحر العالمية الثانية، فضلا عن تطورات حوكمة هذه المعايير في التنمية السياسية ما بعد العولمة.

ثانيا : ظهر هذا التناقض واضحا في سياق مفهوم” حاكمية الدولة” ما بين أبو العلا المودودي وسيد قطب من جانب والسيد النائيني من جانب اخر، لان سيد قطب ربط كليا بين مضمون دولة ” الاخوان المسلمين ” بهذه الحاكمية فيما منح السيد النائيني الشعوب الإيرانية بعد ما عرف بثورة المشروطية الحق في اختيار ” نظام الحكم ” وتراجع ذلك ما بعد ظهور نموذج “ولاية الفقيه” في الدستور الإيراني ما بعد ثورة شباط 1979 ، لينسجم كليا مع أفكار “حاكمية الدولة ” لرجل الدين جامع الشرائط الفقهية وفق ما ذكر في توصيف الدستور الإيراني لمنصب المرشد الأعلى للدولة الإسلامية الإيرانية .

ثالثا : لم تنجح الحقبة الملكية في العراق كليا بالتحول الى ” دولة – الامة “لأسباب كثيرة ، ثم فشلت العهود الجمهورية بهذا التحول أيضا لسبب بارز ومهم ،حسب قناعتي المتواضعة ، تجسد في حكم العسكر، فيما ظهرت هذه الاختلافات واضحة ما بعد 2003 ، لينتهي الدستور العراقي 2005 الى دولة المكونات وانتهى النظام السياسي الى “مفاسد المحاصصة ” بالعودة الى ذات القراءة التي جاءت بها وثيقة الملك فيصل الأول، فاليوم تتقدم ولاية التكليف الشرعي على التكليف الدستوري الوضعي، بما قدم الأسباب لعودة ” الكتل البشرية ” في هذه البقعة من الأرض التي يطلق عليها رسميا اليوم “جمهورية العراق ” فقط لان اهل الحل والعقد في كيان هذه الدولة قدموا نماذج السلاح المنفلت لاسيما عشائريا والفساد السياسي والمجتمعي، حتى بح صوت المرجعية الدينية العليا التي سعت في مواقفها المشروحة في كتاب ” المسألة العراقية ” ترسيخ نموذج ” النائيني” الذي يفتح الابواب للمواطنين لاختيار الاصلح في التصدي لسلطة الحكم عبر صناديق الاقتراع، فيما انغمست اطراف الحكم في التكليف الشرعي بمفهومي البيعة والتقليد وفضلت مواقف دولا أخرى مثل ايران او تركيا او دول خليجية على ما هو الاصلح لحكم العراق وفق مفهوم “دولة – الامة” ناهيك عن متغيرات المواقف الدولية بوجود الاحتلال الأمريكي للعراق الجديد بانتظار الحلول الفضلى المنشودة لظهور “دولة عراق واحد وطن الجميع”..ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى