تقارير وتحقيقات

المناصب الأمنية الأكثر تعرضا مجرمون يتقمصون أدوار غيرهم لاصطياد الضحايا وابتزازهم ماليا

يتقمص مجرمون أدواراً لشخصيات مختلفة وكأنهم في تمثيلية جادة بهدف اصطياد ضحاياهم عبر الابتزاز المالي، كما يحظى بعضهم بالنفوذ والقوة والسلطان عبر هوياتهم الكاذبة لفترة طويلة قبل أن تكشف هذه التمثيلية المرة، تلك هي جريمة انتحال الصفة التي لا تكاد تخفت حتى تنشطر بشخصيات أخرى وممثلين آخرين.


وبالرغم من الجهود القضائية والأمنية المبذولة للحد من هذه الظاهرة الا أن ‏الطريق ما زال طويلاً أمام مكافحة هذه الجريمة التي بدأت بالتزايد والتنوع لاسيما انها تعتمد على المستوى ‏الفكري للضحية ومدى مكره وإدراكه.


ويقول قاضي محكمة تحقيق الكرخ محمد يوسف شراد إن “هناك الكثير من الدعاوى التي تخص انتحال الصفة معروضة أمامنا، ويتقمص المجرمون فيها مختلف الصفات والشخصيات، وفي الأغلب ينتحلون الصفات الأمنية لشخصيات مهمة ‏بالدولة في وزارات الدفاع والداخلية وأجهزة الأمن الوطني والمخابرات وحتى على مستوى مستشـــارية ‏رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء”، لافتا إلى أن “دعوى وردت تخص انتحال صفة المتحدث الرسمي لرئيس مجلس الوزراء وقد تمت إحالتها الى محكمة الجنايات”. ‏


وأضاف شراد في حديث إلى “القضاء” أن “بعض الجناة يحملون باجات مزورة لصفات في الدولة ولشخصيات معروفة، ويبقى يعمل ‏بها لفترات طويلة قبل أن يتم الإيقاع به من قبل القوات الأمنية”.


وغالبا ما يكون الدافع وراء انتحال الصفة هو الكسب المالي عبر الاحتيال، يقول شراد إن “الجاني يدعي على سبيل المثال أنه يعمل في رئاسة ‏الوزراء ولديه الإمكانية لتوفير فرصة عمل للضحية او تمكينه من الحصول على فرصة للتعاقد مع إحدى ‏الشركات الكبيرة لغرض الحصول على أرباح مالية وفيرة،

فيتم إيهام الضحية عبر اصطحابه الضحية بالقرب من بوابة المنطقة الخضراء، والحديث معه أحاديث جانبية ليس لها علاقة ‏بموضوع العمل المتفق عليه حتى إيقاع الضحية في شباكه عن طريق إقناعه بأن فرصة العمل ‏مضمونة ومؤكدة”.‏


وتابع قاضي التحقيق أن “من الشكاوى التي وردت تخص عصابات منظمة يدعون أنهم يعملون في منظمة ‏إنسانية أجنبية تقيم في منطقة الخليج العربي ولديهم عملة وبمبالغ كبيرة يرومون تصريفها الى الدولار ‏لغرض التبرع بها للفقراء لكنهم لا يعرفون سعر الصرف واين يصرفونها،

فيستدرجون الضحية وغالباً ‏تكون من كبار السن والنساء خصوصاً ويستغلون طمع الضحية في الربح بعد إيهامه أن العملة قيمتها اكثر ‏وفي الحقيقة أنها عملة بلاروسية لا قيمة لها فيأخذون منه مبلغ يتراوح من 20 لـ 30 ألف دولار امريكي ‏مقابلها، وأخيراً وردت شكوى لامرأة مسنة في العامرية تم الاحتيال عليها بالأسلوب نفسه وتم القاء ‏القبض على الجناة”.‏


وأفاد القاضي “غالبا ما يتم الإيقاع بالجناة عن طريق تعاون الضحية نفسه مع القوات الأمنية وبالتعاون مع ‏الجهد الاستخباري وباستعمال التقنيات الحديثة المتمثلة بكاميرات المراقبة عالية الدقة الموجودة في بغداد ‏تم القاء القبض على الجناة”.


وعن المعوقات التي تواجه الجهات التحقيقية ذكر انه “في بعض الأحيان هناك بعض المعوقات التقنية التي تؤخر في سرعة القاء ‏القبض على المحتالين فعندما تكون بعض الكاميرات مواصفاتها رديئة وليست بالدقة المطلوبة في إظهار ‏بعض تفاصيل الوجه أو رقم لوحة المركبة فانها تؤثر في سرعة انجاز التحقيق”. ‏


وأكد شراد على “ضرورة توعية المواطنين من هذه العصابات التي يصعب كشفها وتقع معظم هذه المهمة على عاتق المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في توعية المواطنين من هؤلاء ‏المحتالين وإظهار هذه الجرائم للمجتمع من خلال ما ينشره من أخبار وتقارير وقصص في منتجاته الصحفية ليتسنى للمواطن الحذر وعدم الوقوع في شرك هؤلاء”.


وعن الشخصيات والمناصب التي تكون عرضة للانتحال يكشف القاضي الأول لمحكمة تحقيق الرصافة بشار محمد جاسم أن “المنتحلين يتقمصون غالبا صفات ضباط او موظفين او منتسبين في الأجهزة الأمنية وفي وزارة الداخلية تحديداً حيث بلغ عدد ‏الملقى القبض عليهم أكثر من 40 متهماً”.


وعن دوافع هذه الجريمة يذكر جاسم في حديث إلى “القضاء” أن “من أهم أهداف هذه الجريمة هو الابتزاز المالي من الضحايا الذين يدفعون مقابل ‏الحصول على تعيين أو لغرض إنجاز بعض المعاملات بسبب ثقافة المجتمع بعدم امكانية انجاز أي معاملة ‏لدوائر الدولة الا بوجود صفة رسمية وذلك لميول المجتمع العراقي الى إظهار التقدير والاحترام لاصحاب ‏الصفات الرسمية الأمنية”.‏


وتابع جاسم أن “منتحلي هذه الصفات غالباً ما تكون لديهم علاقات وطيدة بالضباط او الأوساط التي ترتبط ‏بالوظائف وأنهم غالباً ما تتوفر لديهم اللباقة ويتمتعون بالقدرة على الإقناع وتكون لديهم معلومات كافية عن ‏الوظائف العامة والأشخاص الذين يعملون بها”.‏


وعن دور القضاء في مكافحة هذه الجرائم، أشار جاسم الى أن “الجهات القضائية تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ومن ثم إنزال العقوبة التي تكفل الردع العام من ‏خلال اصدار حكم رادع وبشكل علني”،

لافتا إلى أن “المشرع العراقي شدد على جريمة انتحال الصفة وحدد عقوبتها ‏بموجب القرار المرقم 160 لسنة 1983 والذي فرض عقوبة السجن التي تصل الى عشر سنوات ‏وتشديدها اذا كان الفعل بقصد الحصول على مكاسب مالية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى