مقالات

المياه‭ ‬وأقسى‭ ‬أنواع‭ ‬الفساد‭

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭

‬الدعوة‭ ‬لتشكيل‭ ‬مجلس‭ ‬أعلى‭ ‬للمياه‭ ‬جاءت‭ ‬متأخرة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لقد‭ ‬تناولت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬مشكلة‭ ‬البلاد‭ ‬مع‭ ‬المياه‭ ‬والسدود‭ ‬والجوار،‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الرخاء‭ ‬نسبياً،‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬اخرى،‭ ‬آملا‭ ‬ان‭ ‬يستمع‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬لأي‭ ‬مقترح‭ ‬ينفع‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬غدا‭ ‬اليوم‭ ‬اكثر‭ ‬بقعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يتجلى‭ ‬فيها‭ ‬اثر‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬وموجات‭ ‬الجفاف‭ ‬الضاربة،‭ ‬بحسب‭ ‬بيانات‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬‭ ‬اليوم‭ ‬خيارات‭ ‬البلد‭ ‬محدودة،‭ ‬فالنهران‭ ‬العظيمان‭ ‬اللذان‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭ ‬يتوافران‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬مائي‭ ‬جيد،‭ ‬ذهبا‭ ‬هدراً‭ ‬الى‭ ‬البحر،‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬اخر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬الفائدة‭ ‬منهما‭ ‬كما‭ ‬تجني‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬الفوائد‭ ‬من‭ ‬المسارات‭ ‬المائية‭ ‬النابعة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬المارة‭ ‬عبرها‭.‬لو‭ ‬بنينا‭ ‬سدوداً‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬بعدد‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬لكان‭ ‬ضرر‭ ‬الجفاف‭ ‬على‭ ‬اوضاعنا‭ ‬المائية‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬الآن‭. ‬أعلم‭ ‬انّ‭ ‬الحصص‭ ‬المائية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬اقل‭ ‬منها‭ ‬عمّا‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السبعينات‭ ‬والثمانينات‭ ‬والتسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬مرّت‭ ‬بعض‭ ‬السنوات،‭ ‬كان‭ ‬تدفق‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬مقبول،‭ ‬وكان‭ ‬بإمكاننا‭ ‬ان‭ ‬نوجه‭ ‬النهرين‭ ‬العظيمين‭ ‬لملء‭ ‬سدود‭ ‬ومسطحات‭ ‬مائية‭ ‬ثانوية‭. ‬

الضرر‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬بسبب‭ ‬الجفاف‭ ‬العالمي،‭ ‬لكن‭ ‬مستواه‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬فقدان‭ ‬مقومات‭ ‬الصمود‭ ‬والاستعداد‭ ‬الى‭ ‬وجود‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التحسب‭ ‬واليقظة‭ ‬والبدائل،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مسألة‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬أولوية‭ ‬اية‭ ‬حكومة‭ ‬أو‭ ‬دورة‭ ‬برلمانية‭ ‬مرّت‭ ‬على‭ ‬البلد،‭ ‬فقد‭ ‬عمّ‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتيح‭ ‬لأي‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬واستراتيجي‭ ‬الحياة،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬القاتلة‭ ‬لفساد‭ ‬السياسيين،‭ ‬الذين‭ ‬يتوهم‭ ‬بعضنا‭ ‬في‭ ‬انّ‭ ‬ضررهم‭ ‬محصور‭ ‬في‭ ‬نهب‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬وتبديده‭ ‬فحسب‭.‬‭ ‬إنّ‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الفساد‭ ‬فتكاً‭ ‬بالعراق‭ ‬ومستقبله‭ ‬لجيلين‭ ‬متتالين‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬هو‭ ‬وصول‭ ‬رؤساء‭ ‬حكومات‭ ‬ووزراء‭ ‬ورئاسات‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين‭ ‬للمناصب‭ ‬القيادية‭ ‬ولا‭ ‬يستحقون‭ ‬أن‭ ‬يقودوا‭ ‬العراق‭ ‬كبلد‭ ‬استراتيجي،‭ ‬وهم‭ ‬قاطبة‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬البلد‭ ‬استراتيجياً‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬المحلي‭ ‬يحيل‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الضياع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى