مقالات

النفط الى اين ياخذ العالم اقتصاديا ؟

الكاتب : د. خالد رمضان عبد اللطيف

رغم دواعي الضرورة بفعل الانتشار الواسع لفيروس كورونا، والذي خلق وضعاً غير مسبوقاً، وأدى إلى هبوط عنيف لأسعار النفط، وأضر بقوة بالطلب النفطي، إلا أن الخطة الروسية المحكمة أفشلت  اجتماع المنتجين الأخير في فيينا بعدما رفضت إدخال المزيد من تخفيضات الإنتاج، الأمر الذي يؤكد أن غلبة المصالح كانت أقوى من استراتيجية التعاون المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ترى روسيا أن الأسواق ليست بحاجة إلى تعميق التخفيضات الراهنة، وهي كدولة ليست بحاجة لها، وقد أعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرضية غير مريحة لوزير طاقته ألكسندر نوفاك عند بدء المفاوضات، فصرح بوتين بداية الأسبوع بأن مستوى السعر الحالي للنفط مقبول لدى موسكو، إذ تكمن الأولوية بالنسبة لروسيا، ثاني أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة، في عدم تقديم تنازلات للخصم الأمريكي الذي ينتج يومياً نحو 13 مليون برميل نفط، ويصدّر ما بين و3 و4 ملايين برميل في اليوم.

في ظلّ هذه الظروف، قد يبقى فائض الإنتاج في سوق النفط قائماً خلال الأشهر المقبلة، لا سيما وأن الخفض الساري حالياً ينتهي مفعوله أواخر الشهر الحالي، وقد يؤدي فائض المعروض إلى انهيار الأسعار، كما حدث في صيف 2014، وربما نرى سعر النفط عند مستوى أقل من 40 دولاراً للبرميل، في ظل مخاطر انكماش قوية، وتراجع الاستهلاك العالمي بنحو 4 ملايين برميل في الربع الأول من العام الجاري، وأحد رهانات الروس الحالية هو تضرر المنتجون الأمريكيون وإفلاس بعض شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة.

يمكن للروس معايشة أسعار النفط عند 40 دولار للبرميل، وربما حتى أقل على المدى القصير، لتعزيز الصناعة، وعلى ما يبدو، فإن يبدو أن الغاية الروسية تنحصر في استعادة الحصة السوقية في 2021، عندما يعود الطلب للمستويات الطبيعية، وتفلس الشركات الأمريكية للحفر والتنقيب عن النفط الصخري.

طوال السنوات الماضية، لم يكن الروس على مستوى الالتزام الكامل باتفاق خفض الإنتاج، وكثيرا ما خرقوا الاتفاق تحت مبررات مختلفة وأحياناً واهية، ومثلوا مع  العراق ونيجيريا وأوزبكستان الدول الأربع الأقل امتثالاً لاتفاق “أوبك+”، إذ حلق الانتاج الروسي عند 11.29 مليون برميل يوميا في شباط (فبراير) بعد استبعاد المكثفات، رغم أنها ملزمة وفقا للاتفاق المبرم مع المنتجين الآخرين بخفض 228 ألف برميل يوميا.

في فيينا، سحبت دول أوبك الثقة من روسيا، حيث بدا أن  سياستهم النفطية لا تتوافق مع أهداف المنظمة، وهكذا أعادت أوبك النظر في استمرار تحالف “أوبك+”، لتنقذ مصداقيتها في السوق، بعدما حاولت مرارا الإبقاء على شعرة معاوية مع روسيا، إلا أن أوبك رأت أن هذا الأمر ربما يؤذي موقفها، ويؤثر سلبًا على السوق الذي يعتبرها قائدته الأول وربان السفينة.

لا يسع لأوبك أن تترك لدولة غير عضو في المنظمة قيادة المنظمة، أو تمنحها حق الفيتو على سياستها، لأن هذا يؤثر على فاعلية ومصداقية القرارات البترولية، وهذا الأمر لا يؤذي فقط مركز المنظمة، ولكنه يحد أيضاً من أثرها، ولهذا انتهى التحالف، وقررت أوبك إخراج روسيا من الائتلاف بعدما قررت فض التعاون في دعم توازن الأسواق في مرحلة حرجة ودقيقة من تاريخ المنظمة الذي يربو على ستة عقود.

تفاعلت الأسواق بشكل دراماتيكي مع خروج روسيا من تحالف المنتجين، فسجل خام برنت أكبر خسارة يومية في أكثر من 11 عاما يوم الجمعة ليربط عند 45 دولارا للبرميل، مما يضع المنتجون شديدو الاعتماد على النفط تحت ضغوط كبيرة، ويجعل الكثير من شركات النفط الصخري بالولايات المتحدة في محنة شديدة بعد موت اتفاق المنتجين، ولربما تكون 2020 انتهت بالنسبة لأسواق النفط، فلا أمل مرتقب حتى نهاية العام في انتعاش الأسعار في ظل تهاوي الطلب ووفرة المعروض والارتفاع الكبير في المخزونات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى