مقالات

الهزليات السياسية

الهزليات السياسية _ د. فاتح عبدالسلام‭

‬التصريحات‭ ‬الامريكية‭ ‬حول‭ ‬المفاجأة‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬عودة‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬ثمانية‭ ‬أيام‭ ‬الى‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬ورفع‭ ‬علمها‭ ‬على‭ ‬القصر‭ ‬الرئاسي،‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الادبيات‭ ‬السياسية‭ ‬الهزلية‭ ‬التي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتورط‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أو‭ ‬ناطق‭ ‬رسمي‭. ‬العالم‭ ‬يسمع‭ ‬مجدداً،‭ ‬تكرار‭ ‬عبارات،‭ ‬باتت‭ ‬ذات‭ ‬امتياز‭ ‬امريكي‭ ‬حصري‭ (‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬معلوماتنا‭ ‬صحيحة‭) ‬و‭ (‬تفاجأنا‭ ‬لسرعة‭ ‬الانهيار‭ ‬الأمني‭) ‬و‭(‬لم‭ ‬نتوقع‭) ‬وسوى‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التبريرات‭ ‬لخطوات‭ ‬ومواقف‭ ‬أمريكية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تنتبه‭ ‬واشنطن‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬إمكانات‭ ‬أجهزتها‭ ‬الاستخبارية‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القارات‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يقال‭ ‬ويحدث،‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬مفاوضات‭ ‬بين‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬ووفد‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬في‭ ‬الدوحة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يوافق‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬بالبوح‭ ‬عن‭ ‬محتوى‭ ‬المحادثات‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬السنة،‭ ‬هما‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬والجانب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ” ‬حكومة‭ ‬أشرف‭ ‬غني‭” ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ممثلين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المفاوضات‭. ‬‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬قراراً‭ ‬مُعلناً‭ ‬منذ‭ ‬شهور،‭ ‬وتعلم‭ ‬به‭ ‬الأطراف‭ ‬الأفغانية‭ ‬المعنية،‭ ‬وكانت‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬تبرمج‭ ‬أوضاعها‭ ‬استناداً‭ ‬الى‭ ‬التطور‭ ‬النهائي‭ ‬المرتقب‭ ‬بعودة‭ ‬طالبان‭ ‬الى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬كابول‭. ‬أين‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجأة‭ ‬اذن؟‭ ‬ان‭ ‬المفاجأة‭ ‬تكمن‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حقاً‭ ‬موجودة‭ ‬وليست‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬الادبي‭ ‬السياسي‭ ‬الهزلي،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تصديق‭ ‬الامريكان‭ ‬الأوهام‭ ‬التي‭ ‬باعوها‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بأثمان‭ ‬غالية،‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬كابول‭ ‬وحولها‭ ‬جيش‭ ‬يمسك‭ ‬بالبلاد‭ ‬الكبيرة‭ ‬الوعرة‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تدير‭ ‬أفغانستان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬القوة‭ ‬الامريكية‭ ‬الهائلة‭. ‬‭ ‬هناك‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الهزليات‭ ‬الامريكية‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬مسارات‭ ‬لتكون‭ ‬حقيقة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وتنتظر‭ ‬ان‭ ‬تتغلف‭ ‬بمصطلحات‭ ‬مختلفة‭ ‬وجديدة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬مذكرة‭ ‬التفاهم‭ ‬العراقية‭ ‬الامريكية‭ ‬بعد‭ ‬اربع‭ ‬جولات‭ ‬من‭ ‬مفاوضات‭ ‬اطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬الحوار‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وتركوا‭ ‬أبواب‭ ‬التكهنات‭ ‬بعدها‭ ‬مشرعة‭ ‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أبواب‭ ‬الاحلام‭ ‬والامنيات‭ ‬والمغانم‭. ‬وإن‭ ‬للعراق‭ ‬يوماً‭ ‬افغانياً‭ ‬مضموماً‭ ‬تحت‭ ‬جناح‭ ‬الريح‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى