مقالات

الورقة البيضاء والكوابح السوداء

سالم مشكور

الورقة البيضاء اصلاح يطلق على تقرير أو دليل يخبر القرّاء بإيجاز عن قضية معقدة أو سياسة يراد اتخاذها، ويقدم مفهوم واضعيها في هذا الشأن.

ويُراد بها مساعدة القارئ على فهم مسألة أو حل مشكلة أو اتخاذ قرار، وهي عادة ما تكون خاضعة للمناقشة والتعديل، اذ توّجه من الحكومة الى السلطة التشريعية لمساعدتها على الإحاطة بخلفيات المشكلة والمطلوب لحلها من أجل اتخاذ القرار المناسب، كما أنها تعرض على الرأي العام جلب الملاحظات عليها، وكذلك لكسب تأييده لهذه السياسة.

الورقة البيضاء الحالية وجهت الى البرلمان الى جانب إعلانها للرأي العام، وفيها توصيف شامل ودقيق لواقع المشكلة مع طرح للحلول التي يجب أن تتحول الى سياسات وقرارات تنفيذية.

محور الورقة هو الوصول الى هوية واضحة لاقتصاد العراق على أساس الدستور والنظام السياسي الذي ينص على اقتصاد السوق وليس الاقتصاد المركزي الذي مورس بتخبط قبل 2003، ولم يحلّ بديله الطبيعي (الاقتصاد الحر) بعد التغيير، لأسباب عدة في مقدمتها استمرار هيمنة عقلية الاقتصاد الموجه القائم على جعل الحكومة محور كل النشاطات الاقتصادية والخدمية، لدى الغالبية العظمى من السياسيين والشارع على حد سواء.

لكن تحويل الورقة الى سياسات قابلة للتنفيذ يحتاج الى توفر عوامل عدة منها:

أولا: تعاون كبير من السلطة التشريعية مع الحكومة، وهذا يستدعي تخلّي الكتل والأحزاب عن سياسة المناكفة والاعاقة لمصالح حزبية وفئوية تتعلق بالانتخابات وغيرها، خصوصا ان أغلب المعالجات المقترحة تحتاج الى تشريعات جديدة أو تعديل لتشريعات قديمة.

كثير من سياسات الحكومات السابقة أعيقت في البرلمان بسبب هذه المناكفات.

ثانيا: لا جدوى من أي سياسات أو إجراءات، قبل حملة واسعة وجدية لوقف الفساد المستشري في كل مفاصل الإدارة وهو ما يعرقل أية خطوات للإصلاح تمس مصالح الطبقات المعتاشة على الوضع القائم. لا فائدة من أي جهود إصلاحية ومعالجة للفساد ما لم تشمل كل أرجاء العراق من شماله الى جنوبه، دون استثناء لإقليم أو محافظة أو جهة.

الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي والمالي تمثل برنامجا للمديين المتوسط والبعيد، وهي لا تغني عن خطوات آنية لمعالجة فورية للمشكلة المالية.

جميع الإجراءات تعتمد على مدى القدرة على التنفيذ وتجاوز الكوابح العديدة التي تعترضها.

صحيح ان عمر الحكومة لا يسمح بتطبيق هذه الورقة لكن الحكومات تضع السياسات وتبدأ تطبيقها ليستكمل من يخلفها عملية البناء.

هكذا يتم بناء الدول في ظل الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى