مقالات

بصمّةُ المتصفّح

علي جبار عطية

يواجه المدونون الفاعلون في مواقع التواصل الاجتماعي مشكلة عدم الاكتراث بما ينشرونه وقد يسبب لهم ذلك احباطاً يؤدي بهم إلى عزوفهم عن التواصل الإلكتروني، أو إغلاق حسابهم، والمسألة تستحق التوقف فعلاً.تابعتُ موقف بعض الذين هُكرت صفحاتهم، ونوهوا إلى ذلك، ومنهم مَن ناشد المتابعين أن يدعموا حسابه بوضع علامات إعجاب؛ لأنَّه يتعرض إلى عملية حجب حساب، و سلوكهم مختلفٌ بالطبع عن سلوك غير المكترثين بما يُنشر، أو الذين يتجنبون الدخول في هذا العالم الافتراضي خوفاً وتقيةً ! لكنَّ المرء تُصيبه الدهشة حقاً؛ لسلوك عددٍ من متصفحي الفيسبوك الذين يتفاعلون، ويعلِّقون على منشوراتٍ بسيطةٍ، وصورٍ عاديةٍ،و يتجاهلون منشوراتٍ مهمةً، وذات ثراءٍ معرفيٍّ، فما السبب في ذلك؟يُصنّف عالم النفس الصناعي بيرناردو تيرادو شخصيات متصفحي الفيسبوك الى أربعة نماذج لا يمكن لأيّ شخصيةٍ الخروج عنها وهي : المتلصّص، والناشط، والنرجسي، والواعظ.الأول: المتلصص: وهو الشخص الذي يقرأ كل ما يُنشر في الفيسبوك في صفحات الآخرين لكنَّه نادراً ما يكتب منشوراً، أو يعِّلق على أيِّ منشور ! هو ينظر، ويراقب ما ينشر في الفيسبوك من غير أن يقوم بأيِّة نشاطٍ على صفحته.من الطريف أنَّ الكاتب كاظم الحلاق Kadhim Al-hallaq كتب يوماً على صفحته في الفيسبوك بتاريخ العاشر من شهر كانون الثاني الماضي منتقداً هؤلاء بالقول : ( لديَّ في القائمة ٢١٦٢ شخصاً ، ومجموعةٌ من المتابعين لا أعرف عددهم بالضبط. حين أنشر مادةً فإنَّ معدل الذين يتفاعلون معي ٣٠، أو ٤٠،وبالكثير ٥٠ شخصاً ، أو أقل من ذلك. البقية ماذا يفعلون ؟ يتفرجون فقط ؟ نيّام.. يشخرون! أشعر بنفسي كأنّي شمعةٌ تحترق، والآخرون يتفرجون عليها بنذالةٍ ولا مبالاةٍ، منتظرين انتهاءها وموتها.. سيأتي اليوم ـ عندما أكون بمزاجٍ طيبٍ ـ الذي أذهب فيه إلى القائمة ، وأقوم بالحذف والتصفية، وأُبقي الذين يتفاعلون معي فقط.. وإلا ما أهمية وجود الآخرين؟ أتمنى لو يوفرون عليَّ الوقت والجهد، ويلغون صداقتي، أو متابعتي عند قراءة هذه السطور )!!أما النموذج الثاني فيسميه الباحث تيرادو الناشط وهو الشخص الذي ينشر بمعدل ثلاثة منشورات في اليوم، ويستعمل الفيسبوك من أجل التواصل مع الآخرين في أثناء عمله، أو بعد عودته منه ، إذ يقوم بوضع منشوراتِ، ونشر صورٍ مختلفةٍ، كما يعلّق على منشورات أصدقائه فضلاً عن استعمال ” شات” الفيسبوك، والألعاب مع الآخرين . و النموذج الثالث يسميه النرجسي : وهو الشخص الذي يتميز بسمةٍ نرجسيةٍ واضحةٍ في تعامله مع الفيسبوك تجعل كل ما ينشره متعلقاً به، ويدور في فلكه من صورةٍ، أو عباراتٍ، أو تعليقاتٍ، ونادراً ما يُعلّق، أو يقوم بكتابة تعليقٍ على منشورات الآخرين، إلا اذا كان فيها،على نحوٍ ما ، ما يعزز ويعلي من شأن شخصيته.أما النموذج الرابع فيسميه الواعظ، أو المبشِّر الرقمي : وهو مَنْ ينشر أكثر من أربعة منشورات يومياً ، ولديه الكثير من الوقت الذي يمكن أن يقضيه على الفيسبوك من خلال نشر أمثالٍ، ومقولاتٍ وعباراتٍ وعظيةٍ، وصورٍ ، كما أنَّه يضع تعليقاتٍ متنوعةً على منشورات الآخرين ، من أجل أن يُخفي ما يدور في حياته الواقعية !من الناحية العملية لا يمكن حصر متصفحي الفيسبوك بهذه النماذج الأربعة؛ فهناك نماذجٌ أُخرى مثل مَنْ يستخدم الفيسبوك لأغراض تجارية، أو الترويج لجماعةٍ، أو حزبٍ، أو لأعمالٍ خيريةٍ، أو عبثيةٍ ! عُدتُ إلى تصنيفٍ أُجري في جامعة ميرلاند الأمريكية وضعَتْه لمتصفحي الفيسبوك بعد دراسةٍ شاملةٍ تبين بأنه يمكن فرز الأشخاص على الفيسبوك إلى خمس صفات أساسية، وهي: النرجسي، والمنفتح الفضولي، والمبدع، والواعي، والشخصية المضطربة عديم الثقة بالنفس.وفي بحثٍ آخر أجري في كلية ستانفورد للدِراسات العليا في إدارة الأعمال في أمريكا كشف أنَّ علامة الإعجاب «like»، التي يضعها الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتحديداً الفيسبوك ، أو إعادة تغريد صورةٍ، أو منشورٍ، يمكن لها أن تكشف عن تفاصيل العديد من الصفات الشخصية الخاصة للمستخدم ، مثل: الحياة العاطفيَّة الخاصة به، وكذلك وجهات النظر الدينية والسياسيَّة والاجتماعية.وبحسب الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي ميشال كوسينسكي، فقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي قادرةً على تحليل الشخصيةوالكشف عن تفاصيل في شخصيَّة المستخدم.من الواضح أنَّه صارت سلوكيات متصفح صفحات التواصل كاشفةً عن شخصيته، حتى في أُسلوب عرضه لاسمه، والتعريف بشخصه، ونوعية الصور التي يعرضها، مما يُعزّز فرضيات أصحاب المؤامرة الذين يصرون على وجود معلوماتٍ وافيةٍ عن كل شخصٍ يستخدم الانترنيت لدى مؤسسات كبرى، لأهدافٍ كثيرةٍ قد تكون بعضها علمية، والبحوث متواصلةٌ في هذا الاتجاه، ومستمرةٌ في الكشف عن بعض أسرار النفس البشرية مثلما كان الحال في اكتشاف بصمة الإبهام، وبصمة العين، وبصمة الشعر، وبصمة الرائحة، كذلك يمكن أن تكون هناك بصمةٌ للمتصفّح تكشف عن هويته، وأفكاره، عن كرمه، أو بخله، عن رصانته، أو تفاهته مهما حاول التقنع وراء أسماء وهمية ! وهذا يُحيلنا إلى تحديد طبيعة الشخصية بحسب طريقة استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي، ولا غرابة في ذلك، أليس اختيار المرء قطعة من عقله؟ والأهم من ذلك أنَّ الكرة ـ كما يقال ـ في ملعبك أُيها القارىء، فاختر أيَّ نموذجٍ تُحب أن تكون !؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى