مقالات

بين العرف السياسي وعرف الديك

هادي جلو مرعي

في مزرعة صديق عزيز تقرر تكريمي بذبح ديك يتبخبر عصر ذلك اليوم، ويلاحق الدجاجات، لكنه كان ديكا قويا مزهوا بألوانه، وبفخامة العرف الذي يتوج به رأسه، وكان أحد أبناء الصديق يحاول الإمساك به دون جدوى، ثم إهتدى الى ديك آخر كان حظه العاثر جعله يرتقي إحدى الدجاجات، وكان منتشيا بالغرام. فكان سهلا الإيقاع به، وحز رقبته، وتحويله الى المطبخ، فكان حساء الديك بطعم يلتذ به فم الأكال، وهم قلة من حولي يستمتعون وهم يرونني أتناول الحساء والثريد، وتذكرت حينها شعرا لبشار بن برد البصري الذي أهدته جارته رباب ديكا طهته له، فنظم شعرا مطلعه:

رباب ربة البيت تصب الخل بالزيت لها سبع دجاجات وديك حلو الصوت

وقد تعرفنا بيسر لعرف الديك ولحمه وطعم الحساء، لكننا نجهل العرف السياسي الذي يحكم به بلد مثل العراق، وغالب من تبوأوا المناصب فيه لم يكونوا يملكون من حطام الدنيا شيئا، والذين يملكون اليوم المال والشركات والعقارات والسيارات والبيوت الفارهة لم يكونوا يستطيعون العثور على عمل بسيط بسبب قسوة الحياة، وظلم الحاكمين الذين تعودوا حرمان شعبهم من مقومات الحياة الكريمة وبعثروا أحلامهم، وأهدروا كراماتهم، وتركوهم نهبا للجوع والحرمان والبطالة، وتمني مالايأتي، فيصبح كل شيء بالنسبة لهم رغبة في البقاء والإستئثار بالحكم والسلطان، والتمتع بالخيرات.

العرف السياسي هو فعل تعارفت عليه النخبة الحاكمة في العراق، وربما في غيره من بلدان، وهو ليس وليد مرحلة زمنية بعينها، حيث تعارفت النخبة على تجاوز فكرة محاسبة رؤساء السلطات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) ويكون رئيس الوزراء مثلا أيام حكمه عرضة للنقد والشتم والإتهام بالفساد والمحسوبية ومحاربة الوطنيين والأخيار، ويقسم مناوئوه أنهم سيحاكمونه فور خروجه من السلطة، ولكنهم حين خروجه يتجاهلونه، ويتعاملون معه كقديس بعيد عن الشبهات، وهو عرف سياسي حيث يكون الرؤساء الثلاث مصونين كملك متوج (مصون غير مسؤول) ولاترقى إليه محاسبة ومراقبة، وهو الأرفع شأنا، ويكون كل رئيس بعد خروجه محميا بالعرف السياسي، وليس بالقانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى