مقالات

تاريخنا‭ ‬خارج‭ ‬التاريخ

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬جرى‭ ‬تدشين‭ ‬تمثال‭ ‬للأديب‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭ ‬فكتور‭ ‬هوغو،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬أول‭ ‬تمثال‭ ‬كامل‭ ‬أو‭ ‬نصفي‭ ‬لصاحب‭ ‬ملحمة‭ ‬البؤساء‭ ‬الروائية،‭ ‬ولكن‭ ‬أهميته‭ ‬تأتي‭ ‬اليوم،‭ ‬أولاً‭ ‬من‭ ‬الاستذكار‭ ‬التاريخي‭ ‬المتجدد‭ ‬لأديب‭ ‬فرنسي‭ ‬كبير‭ ‬ترى‭ ‬بلاده‭ ‬ان‭ ‬الاحتفاء‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مضي‭ ‬العقود‭ ‬الطويلة‭ ‬على‭ ‬رحيله،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬قوية‭ ‬مفعمة‭ ‬بالاعتزاز‭ ‬تنبض‭ ‬امام‭ ‬الأجيال‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬تلته‭ ‬ولايزال‭ ‬اعلام‭ ‬منها‭ ‬مستمرين‭ ‬بالعطاء‭ ‬‭ ‬أمّا‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬للتمثال‭ ‬كونه‭ ‬من‭ ‬ابداع‭ ‬النحات‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭ ‬رودان‭ ‬الذي‭ ‬عاصر‭ ‬هوغو‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬ـ‭ ‬توفي‭ ‬رودان1917‭-‬،‭ ‬ولم‭ ‬تسنح‭ ‬الفرص‭ ‬ان‭ ‬يعرض‭ ‬تمثال‭ ‬لهوغو‭ ‬من‭ ‬ابداع‭ ‬رودان‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬رودان‭ ‬نحت‭ ‬تمثيل‭ ‬عدة‭ ‬للروائي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬وبذلك‭ ‬اضافت‭ ‬باريس‭ ‬وفنانها‭ ‬الكبير‭ ‬معلما‭ ‬جديدا‭ ‬له‭ ‬ثقل‭ ‬فني‭ ‬وابداعي‭ ‬الى‭ ‬المعالم‭ ‬الثقافية‭ ‬والوطنية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭.‬وهذا‭ ‬التمثال‭ ‬برونزي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬نسخ‭ ‬نفذت‭ ‬بواسطة‭ ‬القالب‭ ‬الذي‭ ‬أعدّه‭ ‬النحات‭ ‬رودان،‭ ‬وتحتفظ‭ ‬مؤسسة‭ ‬جيانادا‭ ‬في‭ ‬مارتيني‭ (‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬سويسرا‭) ‬بإحداها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬نسخة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬رودان‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬بيزانسونوفي‭ ‬الجانب‭ ‬الثالث،‭ ‬نرى‭ ‬انّ‭ ‬النحات‭ ‬اختار‭ ‬هيئة‭ ‬جديدة‭ ‬للشاعر‭ ‬والروائي‭ ‬هوغو‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬عصره‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬فيه،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إضافة‭ ‬لمسة‭ ‬فنية‭ ‬ذات‭ ‬رؤية‭ ‬عميقة‭ ‬ربطها‭ ‬النحات‭ ‬بالسمو‭ ‬الروحي‭ ‬لأديب‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرتدياً‭ ‬ثياباً‭ ‬كثياب‭ ‬عصره‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬عصر،‭ ‬وتركه‭ ‬مجرداً‭ ‬منها،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬مَن‭ ‬رآه‭ ‬عارياً‭ ‬أبداً،‭ ‬كونه‭ ‬اكتسى‭ ‬بالفعل‭ ‬الإبداعي‭ ‬للنحات‭ ‬والتكوين‭ ‬الفني‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يرفل‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأمل‭.‬‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬نرى‭ ‬كلما‭ ‬تعلو‭ ‬الموجة‭ ‬الظلامية‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬هنا‭ ‬او‭ ‬هناك،‭ ‬تتوجه‭ ‬سهامهم‭ ‬نحو‭ ‬الاعمال‭ ‬الفنية‭ ‬المنحوتة‭ ‬في‭ ‬الساحات،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإزالتها،‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬تصفيات‭ ‬محدودة‭ ‬النظر‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬أحقاد‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬عقائدية‭ ‬أو‭ ‬سواها‭. ‬وحين‭ ‬جرى‭ ‬استباحة‭ ‬الموصل،‭ ‬كان‭ ‬تمثال‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬ابي‭ ‬تمام‭ ‬والموسيقار‭ ‬الملا‭ ‬عثمان‭ ‬الموصلي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الضحايا‭ ‬على‭ ‬مقصلة‭ ‬ظلاميي‭ ‬العصر‭ ‬وجهّاله‭.‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬وقفة‭ ‬عميقة‭ ‬لرسم‭ ‬خارطة‭ ‬جديدة‭ ‬لمعالمنا‭ ‬الثقافية‭ ‬وترسيخها‭ ‬واحياء‭ ‬المناسبات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمدرسية‭ ‬في‭ ‬محيطها‭. ‬العراق‭ ‬بلد‭ ‬المنحوتات‭ ‬الخالدة،‭ ‬التي‭ ‬تتصدرها‭ ‬الثيران‭ ‬المجنحة‭ ‬العملاقة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬خارج‭ ‬التاريخ،‭ ‬كما‭ ‬نكاد‭ ‬نراه‭ ‬الساعة‭. ‬الى‭ ‬متى‭ ‬تبقى‭” ‬ثقافتنا‭” ‬و‭”‬سياحتنا‭” ‬و‭” ‬آثارنا‭” ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال؟‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى