مقالات

تحت التعذيب

د. فاتح عبدالسلام

في‭ ‬احدى‭ ‬حلقات‭ ‬الدراما‭ ‬السورية،‭ ‬طلب‭ ‬رئيس‭ ‬فرع‭ ‬مخابرات‭ ‬من‭ ‬حرّاسه‭ ‬احضار‭ ‬الحلاق‭ ‬الفلاني‭ ‬،‭ ‬فذهبت‭ ‬اليه‭ ‬مفرزة‭ ‬امنية‭ ‬،‭ ‬واخذوه‭ ‬للتحقيق‭ ‬فوراً،‭ ‬واعترف‭ ‬هناك‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب‭ ‬بجرائم‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وحين‭ ‬تذكّر‭ ‬رئيس‭ ‬الفرع‭ ‬ذلك‭ ‬الحلاق‭ ‬،‭ ‬وسألهم‭ ‬اين‭ ‬هو‭ ‬الان‭ ‬ولماذا‭ ‬تأخر،‭ ‬قالوا‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ : ‬سيدي‭ ‬اعترف‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭. ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬بهذه‭ ‬السخرية‭ ‬الناقدة،‭ ‬ومشهد‭ ‬التعذيب‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الاعتقال‭ ‬والتحقيق‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬اسرار‭ ‬الدولة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬امنية‭ ‬مغلقة،‭ ‬فكيف‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تعصب‭ ‬رأسها‭ ‬بلافتة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬؟‭ ‬التحقيق‭ ‬الحاصل‭ ‬مع‭ ‬ضابط‭ ‬جعل‭ ‬مواطنا‭ ‬بريئاً‭ ‬يعترف‭ ‬انه‭ ‬قتل‭ ‬زوجته‭ ‬وحرق‭ ‬جثتها‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظهرت‭ ‬الزوجة‭ ‬تتكلم‭ ‬وتضحك‭ ‬بعد‭ ‬اسابيع،‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله،‭ ‬وغلق‭ ‬القضية‭ ‬كونها‭ ‬حالة‭ ‬فردية،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬قصص‭ ‬التعذيب‭ ‬باتت‭ ‬شائعة‭ ‬لاسيما‭ ‬بعد‭ ‬طرد‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬العراق،‭ ‬وهناك‭ ‬تسجيلات‭ ‬موثقة‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬حول‭ ‬استجواب‭ ‬اشخاص‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب‭ ‬وبعضهم‭ ‬يتم‭ ‬قتله‭ ‬علناً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اية‭ ‬إجراءات‭ ‬قانونية‭. ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬اية‭ ‬حكومة‭ ‬سابقة‭ ‬أو‭ ‬لاحقة،‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬قتل‭ ‬مواطن‭ ‬عراقي‭ ‬واحد‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب‭ ‬أو‭ ‬اصابته‭ ‬بعاهة‭ ‬مستديمة‭ ‬أو‭ ‬مرض‭ ‬مزمن،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تأتي‭ ‬مسؤولية‭ ‬بقية‭ ‬الوزراء‭ ‬المختصين‭. ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬لعبة‭ ‬وحدثاً‭ ‬عابراً‭ ‬يمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬اذا‭ ‬تريدون‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬يتم‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬فيها‭. ‬لأنّ‭ ‬مَن‭ ‬يجري‭ ‬قتل‭ ‬ابيه‭ ‬في‭ ‬التحقيق‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مواطنا‭ ‬سليما‭ ‬في‭ ‬تفكيره‭ ‬وسوف‭ ‬ينظر‭ ‬الى‭ ‬جميع‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬بوصفها‭ ‬جهات‭ ‬إجرامية‭ ‬ولا‭ ‬يتورع‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬تنظيمات‭ ‬متطرفة‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الانتقام‭ ‬لأبيه‭. ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬كلام‭ ‬تكهنات،‭ ‬وانما‭ ‬عن‭ ‬اطلاع‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها،‭ ‬يتحدث‭ ‬خلالها‭ ‬ذوو‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب‭ ‬او‭ ‬اختطفوا‭ ‬ورميت‭ ‬جثثهم‭ ‬في‭ ‬العراء،‭ ‬حديثاً‭ ‬مليئاً‭ ‬بروح‭ ‬الانتقام‭ ‬المؤجل‭ ‬لحين‭ ‬التوقيت‭ ‬الذي‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الانتقامات،‭ ‬وهذا‭ ‬التوقيت‭ ‬مرّ‭ ‬به‭ ‬العراق‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٩١‬‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭. ‬الفرصة‭ ‬لم‭ ‬تفت‭ ‬نهائياً‭ ‬وهناك‭ ‬مجال‭ ‬لتدارك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تداركه‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحرم‭ ‬التعذيب‭ ‬تحت‭ ‬أية‭ ‬ذريعة‭. ‬اعرف‭ ‬ان‭ ‬القوانين‭ ‬موجودة‭ ‬لكن‭ ‬اقصد‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تلزم‭ ‬بتطبيق‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭ ‬الميتة‭. ‬‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى