مقالات

تفاقم العنف الأسري في الآونة الأخيرة

تفاقم العنف الأسري في الآونة الأخيرة – ابراهيم سمير كاظم

ان ظاهرة العنف الأسري لا تعد بالظاهرة الحديثة، إذ يعيش مجتمعنا اليوم أجواءً مليئة بالتوتر جراء ما ألم بالعراق من أحداث أمنية وحروب متعاقبة أثرت في الجانب النفسي لمجتمعه.إن مشكلة العنف الاسري بالعراق أخذت تشوه الحياة الاجتماعية فيه، فكان لا بد من إيجاد حلول لمعالجتها، وقد تعددت الدراسات والبحوث بشأن ذلك بوصفه صورة من صور القهر الإنساني.وهنا كان لمجلس القضاء الأعلى الدور المهم والكبير والفاعل في معالجة حالات العنف الاسري في المجتمع العراقي، إيماناً منه بدور الاسرة في بناء مجتمع سليم ومتكامل، وقد تجسد اهتمام المجلس بإصداره البيان المؤرخ في 31/5/2021 المتضمن تشكيل محكمة تحقيق متخصصة بالنظر في قضايا العنف الأسري يكون مقرها في مركز كل منطقة استئنافية.وتأكيداً على تشدده على الحد من ظاهرة العنف الأسري أصدر مجلس القضاء الأعلى البيان رقم (9) في 10/1/2021 المتضمن تشكيل محكمة متخصصة بالنظر في قضايا العنف الاسري ومحكمة جنح للنظر في قضايا العنف الاسري ويساعد تشكيل هذه المحكمة على مكافحة جرائم العنف الاسري ومعاقبة مرتكبيها كما أنه يضع آلية لمساعدة الضحايا الذين تقع عليهم جريمة العنف الأسري.حيث ان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري تطبق القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983 ذلك أن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري، وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية، خصوصا إذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الأمر الذي يتطلب إجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الأسرية.إن هذه المبادرة القانونية والإنسانية تدل على اهتمام مجلس القضاء الأعلى بظاهرة العنف الأسري والأسرة سعياً منه للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بالطرق القانونيةوالحضارية.

أسباب العنف وتتداخل الأسباب المؤدية الى العنف الأسري بالدوافع المحركة نحوه وبالعوامل المساعدة على تأجيجه حيث يمكن تلخيصها إلى الآتي:

1- العادات والتقاليد: إن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي أصبحت وكأنها قوانين ملزمة من ضمنها الجيد وغير الجيد، حيث ان هناك أفكارا متجذرة لدى الكثيرين تحمل بين طياتها الأصول الجاهلية مثل التمييز بين الذكر والأنثى، الامر الذي قلل من مكانة الانثى في المجتمع مقابل تعظيم الذكر وهنا يكون المجتمع الذكوري يعتمد على ممارسة العنف ضد الانثى، رغم عدم ارتكابها أي فعل سوى جنسها.وتطبيقاً لذلك قرار محكمة التمييز الاتحادية الذي جاء فيه (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن المقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على الحكم المميز، وجد أنه صحيح وموافق للشرع والقانون أن الثابت من التحقيقات التي أجرتها محكمة الموضوع لحق الضرر بالمميز عليها، تتمثل بإهانتها وسبها وضربها من قبل المميز وان ذلك ثابت من خلال البينة الشخصية التي استمعت اليها المحكمة).

2- الأسباب البيئية:إن الضغوط البيئية المختلفة (ضوضاء، ازدحام، سوء حالة المسكن) تعد أسباباً تدفع الى العنف، فالمشكلات البيئية التي تضغط على الانسان تتسبب في إحباط الفرد، حيث لا تساعده على تحقيق ذاته فإن ذلك يدفعه نحو العنف ويؤدي الى انفجاره وقيامه بالاعتداء على من هو اضعف منه من أفراد أسرته.

3- الأسباب الثقافية:تعدُّ من الاسباب المباشرة التي تؤدي الى ظهور العنف داخل الاسرة، حيث أن الجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الطرف الآخر وعدم احترامه يعد عاملا اساسيا للعنف، وهذا الجهل قد يكون في جميع أفراد الاسرة اضافة الى تدني المستوى الثقافي للاسر والافراد والاختلاف الثقافي بين الزوجين، وبالاخص اذا كانت الزوجة اعلى مستوى مما يولد التوتر وعدم التوازن كردة فعل له، فيحاول الزوج تعويض هذا النقص باحثاً عن المناسبات التي يمكن انتقاصها فيها واستصغارها بالشتم والاهانة بل وحتى الضرب.

4- الأسباب التربوية:إن أسس التربية العنيفة التي ينشأ عليها الطفل ربما تكون هي من ولدت العنف لديه، وقد تجعله في المستقبل ضحية له، حيث تكون له شخصية ضعيفة ما يؤدي الى ازدياد هذا الضعف في المستقبل، ولن يستطيع الدفاع عن نفسه ويكون عرضة للعنف بكل أنواعه.

5- الأسباب الاقتصادية:وهي تمثل السبب الرئيس في العنف الأسري كونها تمثل العامل المتفاعل مع غيره من العوامل النفسية، التي تؤدي الى ضرب الرجل لزوجته وذلك لقلة الدخل، لاسيما في ما يتعلق بارتفاع الاسعار والتضخم الاقتصادي واللذين يهددان كيان الأسرة والمجتمع بما يفرزانه من نتائج مدمرة للاقتصاد والأمن والتماسك والسلم الاجتماعي، وهذا يكثر في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة وحروب وتكثر فيها انتهاكات حقوق الإنسان.كما أن العامل الاقتصادي يؤدي الى تردي مستوى المعيشة للأسر الفقيرة، حيث يكون من الصعب الحصول على لقمة العيش أو الحياة الكريمة التي تحفظ للفرد كرامته الانسانية والتي تجعل الرجل بسببه يصب جام غضبه على المرأة، بفعل النفقات الاقتصادية التي تلزمه على إعالة زوجته وأطفاله والإنفاق عليهم.وقد أشارت هيئة البحث الاجتماعي التابعة لدائرة العلاقات العامة والشؤون القانونية في مجلس القضاء الأعلى في إحصائها السنوي الخاص بمكاتبها في محاكم الأحوال الشخصية والأحداث ومكاتب دراسة الشخصية لرئاسات محاكم الاستئناف الاتحادية كافة لعام 2020 الى ان من ضمن الأسباب التي تؤدي الى الطلاق عدم توفر فرص العمل للزواج وعدم توفر الوظائف للزوجين وان وجدت فرص عمل فتكون بمردود شهريمحدود، لا يكفي لسد الحاجة في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع فواتير المتطلبات الأخرى (الدواء والطعام والمعيشة).

6 – الكحول والمخدرات:إن تعاطي الكحول والحبوب المخدرة والمخدرات بأنواعها وكذلك العقاقير المنشطة لها تأثير نفسي وعقلي سيئ على الشخص، بشكل يجعله يتعود على السلوك العدواني، وان الادمان على ذلك يعد سببا مهما في ارتكاب العنف ضد افراد اسرته.موقف المشرَّعلقد كانت البدايات الاولى لانتشار مصطلح العنف الاسري بالعراق في سبعينيات القرن الماضي، وازداد انتشاره في تسعينياته، حيث كانت توصف بمسميات أخرى كالعنف العائلي.وان اغلب التشريعات قد صدرت قبل هذا التاريخ لذلك لم نجد لمصطلح العنف في تشريعاتنا، الا ان المشرع العراقي لم يغفل عن اعطاء الاسرة مكانة مهمة في تشريعاته، فنجد انه قام بتوفير الحماية الجنائية لها حيث تبنى عدة نصوص يظهر فيها معالجاته القانونية للحماية من العنف الاسري، ولخصوصية العلاقة بين أفراد الاسرة تعامل المُشرع بعناية في القضايا التي تنشأ بينهم جاعلا لها احكاما خاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى