تقارير وتحقيقات

تكتم المجتمع عن التحرش شجع على انتشار هذه الظاهرة

تعاني المجتمعات الكثير من المشاكل التي تعكس صورة سلبية عنها بين المجتمعات الأخرى، فتؤخذ هذه السلبيات على أساس السخرية من قبل البعض ، مما قد يؤثر على حياة الأفراد في المجتمع ، بعض هذه المشاكل لا تحتاج وقت طويل لحلها، و بعضها لا يمكن حلها بسهولة ، لأن هناك تعقيدات و معتقدات خاطئة تحول بينها و بين حلها، و البعض منها مهما تفاقمت و اشتدت، ألّا أن حلها ليس بالأمر الصعب و لا يحتاج إلى معجزة سماوية، فالمشاكل في مجتمعاتنا العربية بشكل عام كثيرة، منها مشاكل الحروب و ما أنتجته ، فجعلت العيش و التعايش فيها أمر صعب، كذلك تسببت بضياع أغلبية الافراد، فاظهرت نتائج كارثية في الشعوب أهمها نقص الوعي و الفهم ، و التخبط في معرفة احتياجاتهم النفسية و الواقعية الممكنة و الغير ممكنة ، و عدم تقبلهم للحياة بسبب صعوبتها و رتابتها ، و ذلك ما قد يحول بين إدراك و تدارك الفرد للصواب والخطأ.

ظاهرة التحـرش

إن واحدة من أهم هذه المشاكل التي نخرت جسد المجتمعات العربية بشكل عام و المجتمع العراقي بشكل خاص هي ظاهرة التحرش،
حيث انتشرت في الآونة الأخيرة هذه الظاهرة بشكل ملفت ، طالت الكبيرة والصغيرة، لانجزم إن هذه الظاهرة ليست جديدة في مجتمعنا و هي موجودة في كل مكان و زمان أي منذ الأزل، حيث عثر العلماء في مصر على بردية” من العصر الفرعوني نُقشت عليها رسومات فرعونية تشير إلى عامل مصري اسمه ” بانبيب” كان يعمل في نحت القبور ، بانبيب” كان كثير التحرش بالنساء، فأنه لم يدع امرأة إلّا و تحرش بها، كان هذا الأمر غير مقبول منه و تصرفاته ليست حكيمة، لذلك تم طرده من العمل بشكل نهائي، برغم انه كان ماهراً جداً في نحت القبور آنذاك ، لكن مهارته لم تكن لتشفع له من عقوبة الطرد بسبب أفعاله المشينة و الغير مقبولة.

لكننا اليوم لسنا في عهد الفراعنة ، فاليوم نجد الكثير من “بانبيب” يعيثون في المجتمع بفسادهم و أفعالهم الغير أخلاقية بلا رادع، الأمر الذي أخذ يتزايد و ظهرت سلبياته بشكل ملحوظ في مجتمعنا، ما يستدعي الوقوف عنده بشكل حقيقي و ملموس و اتخاذ إجراءات صارمة للحد منه.

من هو المتحرش و ما هي دوافعه :

يقول علماء في الطب النفسي أن الأسباب التي تدفع المتحرش لارتكاب افعال كهذه كثيرة ، أهمها الحاجة التي تكون خارج إطار تحكمه و إدراكه العقلي و مقدرته على السيطرة عليها، فينتابه سلوك اندفاعي ناتج عن هذه الرغبة المكبوتة التي تتعارض مع أعراف المجتمع و أسسه و قيمه ، فإذا كانت هذه الرغبة ستنفذ و تجد طريقا سهلاً في الخروج دون رادع ذاتي من الشخص نفسه، مع عدم وجود الرادع القانوني أو الاجتماعي فإن لا شيء سيمنعه من تنفيذ رغباته و ستكون العواقب وخيمة .

و هناك بعض الأسباب الأخرى التي تدفع الشخص لاتخاذ مثل هذا السلوك، هي العدائية و التعطش الشديد لإشباع هذه الرغبة، كذلك الحرمان المستمر، و الرغبة في إذلال الآخرين من خلال التحرش بهم بكل الطرق الممكنة، فإن دوافعه تجره لتجربة إمكانياته بلا شروط أو قيود، فالمتحرش شخص شديد الإندفاع، لا يحترم القوانين عامة، و هو ما يمكن تعريفه بالشخصية “المضادة للمجتمع”، مما يعنى أن الأمر لا يتوقف فقط عند حدود “التحرش ” فهذا الشخص قد يمارس ايضاً الكثير من الجرائم منها السرقة و الاختلاس حتى القتل بشكل متعمد أو غير متعمد إذا أتيحت له الفرصة.

دور المجتمع في تشجيع التحرش:

جميعنا نتفق أن التحرش (جريمة) ، إن كان تحرش لفظي أو تحرش جسدي و يجب معاقبة المتحرش وفق المواد القانونية التي تثبت أن القانون العراقي هو جدار صد و منع ضد الذين يمارسون التحرش بشكل سري و علني، لكن المجتمع العراقي وضع بعض العادات و التقاليد التي تجاوزت القانون بسلاسة وأدت إلى نتائج لا تحمد عقباها، ساعدت المتحرش على التمرد بأفعاله دون تردد أو تفكير و حتى تخوف مما سيحدث بعد ذلك، فإنه ضمن و أستبعد أن تتم معاقبته ،من خلال التكتم عن أفعاله و الخوف مما سيقال عن الذي تم التحرش به خاصة النساء” فإن مجتمعنا يتعامل مع المرأة التي يتم التحرش بها على أساس الفضيحة و العيب و الخوف من القيل والقال، بعيداً عن التصرف الصحيح و الصواب أو الأمر اللازم اتخاذه في محاربة المتحرش و الوقوف في وجهه،
لذلك إن تكتم المجتمع على المتحرش قد شجع على انتشار هذه الظاهرة وقد اعتبرها البعض منهم إنها طبيعة بشرية لا تستدعي الاهتمام ، ليس ذلك فقط ، بل تعمدوا تقديم الكثير من المبررات لهذه الظاهرة لا صحة لها، فقط لتثبيت عاداتهم الخاطئة و عدم الطعن في أساسها أو المـس بها.

حلول للحد من ظاهرة التحرش:

للحد من انتشار ظاهرة التحرش بجميع أشكالها يجب القيام بعدة أمور منها عدم السكوت أو التكتم عن قضايا التحرش و الإبلاغ عنها ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية و معاقبة المتحرشين وفق القانون، تشجيع النساء و عدم خوفهن و مواجهة المواقف التي يتعرضن فيها للتحرش بقوة، و عدم الخضوع للمتحرش، عدم الأخذ أو الانصياع للعادات المجتمعية الخاطئة لأنها تبرر الأفعال المشينة و القبيحة للمتحرش و لأنها السبب الأهم في تجذر هذه الظاهرة وتشجيعها.

إن مسؤولية مواجهة و محاربة هذه الظاهرة تقع على عاتقنا جميعاً ، إذ يجب محاربتها بشتى الطرق للتقليل منها، فإنها تعكس صورة غير حضارية وغير أخلاقية عن مجتمعنا، لو عملنا بشكل فعلي و حقيقي في محاربتها فإننا سنتمكن من ذلك، نحن نحتاج لتنقية أفكار الأفراد و عدم تشويهها بالأخطاء المتبعة فإننا قد نأزم الأوضاع و نعقدها دون الانتباه لها أو لما سينتج عنها من كوارث ، قد تنقلنا إلى بؤرة سيئة ضحلة تتنافى مع حضارة و ثقافة هذا المجتمع.

تقرير لـ نبراس جمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى