مقالات

تكليف مصطفى الكاظمي.. فوز الأحزاب ولكن بطعم الخسارة!

محمد وذّاح

منذ الاول من كانون الاول الماضي ٢٠١٩، لحظة موافقة البرلمان العراقي على استقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الوزراء، تحت ضغط الشارع ودعوات مرجعية النجف، وما تبعتها من قرارات وترشيحات آخرها تكليف عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة قبل أن يقدم اعتذاره حفاظاً على المصالح العليا للعراق بحسب إدعاءه، كانت إرادة العراقيين عموماً والمتظاهرين تحديداً؛ هي الأرجح أو هكذا كانت تفهم بسبب انتظار موقف ساحات الاحتجاج من المكلف لرئاسة الحكومة، ولكن بعد الاتفاق على مصطفى الكاظمي مكلفاً برئاسة الحكومة، باتت إرادة وكفة الأحزاب السياسية وخاصة الشيعية هي المنتصرة.

فرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي- الذي يشغل منصب رئيس المخابرات العراقية- حظى لأول مرة بإجماع معظم القوى السياسية الشيعية في تحالف “الفتح”، الكتلة النيابية التي أعلنت انها الأكثر والأكبر بعد تنازل تحالف سائرون فيما يخص أحقية تكليف وتسمية رئيس الحكومة خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي.

الكاظمي وعلى خلاف سابقيه المكلفين (علاوي والزرفي) اللذين اعتذرا بسبب رفض تحالف الفتح منحهما الرضا على التكليف، حضر مراسيم تكليف مصطفى الكاظمي في قصر السلام بوسط بغداد صباح التاسع من نيسان/ ابريل الحالي، أبرز صقور القوى السياسية الشيعية، على رأسهم زعيم تنظيم بدر هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وحيدر العبادي، وزعيم تحالف الإصلاح عمار الحكيم، وممثلين عن القوى السياسية السنية والكردية اضافة لكبار السلطتين التشريعية والقضائية.

لماذا أعيد طرح اسم الكاظمي؟

وقبل أن يحظى رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي برضى وإجماع قوى تحالف الفتح الذي يضم معظم الفصائل الشيعية المُسلحة، كان رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفى الكاظمي، أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الوزراء من قبل رئاسة الجمهورية، بعد تقديم عادل عبد المهدي استقالته، إلا أن أسباباً دفعت الرجل إلى الاعتذار عن قبول هذا المنصب.

ومن أبرز هذه الاسباب التي دفعت الكاظمي الى عدم قبول ترشيحه لمنصب رئاسة الحكومة، هو غياب توافق الفصائل الشيعية والكتل السياسية داخل تحالف الفتح على (الكاظمي)، بل أكثر من ذلك اتهمت فصائل (حزب الله) العراق (الكاظمي) بأنه المسؤول عن اغتيال قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (ابو مهدي المهندس) بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد الدولي في كانون الثاني الماضي 2020.

ولكن بعد تكليف عدنان الزرفي (رئيس كتلة النصر النيابية) والذي حظى منذ لحظة تسميته لتشكيل الحكومة، على اجماع العديد من النواب والقوى السياسية العراقية من داخل البيوتات الثلاث (الشيعية والسنية والكردية) بسبب ما يتمتع به الرجل من كارزمة و شخصية قيادية لها تجربة في العمل الإداري ويتمتع بالقوة والنفوذ اضافة للدعم الأمريكي. هذا الأمر اثار تحسّس القوى الشيعية في تحالف الفتح من خطر أن يُمرّر الزرفي عنوةً عنهم وبالتالي يسقط من يدهم احقية تسمية رئيس الوزراء، لذلك ذهب الى خيار “تجرع المُرّ خير أهون من شرب السم”، فكان مصطفى الكاظمي الأقرب لتحالف الفتح.على الرغم من وجود رفض بعض الفصائل المسلحة داخل الفتح للكاظمي.

مراقبون يرون أن تكليف مصطفى الكاظمي من قبل تحالف “الفتح” لتشكيل الحكومة على الرغم من رفضه من قبل، يأتي لموقفه الرافض لقبول ترشيحه مكلفاً لرئاسة الوزراء في الاسابيع الماضية بسبب عدم وجود اجماع شيعي حوله، هذا الموقف لم تنساه الكتل الشيعية وبقت محتفظة للكاظمي بهذا الموقف التي ترى فيه أنه رفض شق عصى الشيعة وراعى قضية “مرشح الكتلة الأكبر” التي طالما نادى بها تحالف الفتح وأكدها لأكثر من مرة على لسان المتحدث بأسمه، النائب أحمد الأسدي؛ أنه لا يمكن أن يمر أي مرشح لرئاسة الحكومة من دول أن يحظى بقبول الكتلة الأكبر.

بماذا يحظى الكاظمي من دون المكلفين السابقين اللذين اعتذرا؟

تجربة اعتذار المكلفين السابقين محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي من تشكيل حكومة جديدة على الرغم من ترشيحمها من قبل رئاسة الجمهورية وبدفع من قبل نواب مستقلين وحصولهما على الدعم شبه الشعبي، يمكن أن يستشف منها المتابع للمشهد السياسي العراقي، أنه لا يمكن لمرشح مستقل أن يمر من داخل البرلمان دون وجود توافق سياسي عليه وهذا ما حصل لمحمد توفيق علاوي، خاصة وأن من أدبيات العملية السياسية الجديدة في العراق ما بعد لحظة 9 نيسان 2003، أن رئيس الوزراء من حصة الكتل الشيعية مقابل منح رئاسة الجمهورية للأكراد والبرلمان للقوى السنيّة، وهاتين القوتين لا يمكن لهما تجاوز الشيعة ومنح اصواتهما لأي مرشح لأن هنالك نواب شيعة تمردوا على رؤساء كتلهم ويريدون تفريق جمع الشيعة.

ولو حصل خلاف ما تريده القوى الشيعية الكبرى (تحالف الفتح) في تسمية من تريده وتتمناه لرئاسة الوزراء، سيكون المكلف المستقل، ضعيف ولا يمكن أن ينال قبول وموافق مجلس النواب من دون أن يستميل الكتل السياسية التي ستضع شروط وتملي عليه المطالب، ما يعني إننا سنعود إلى نقطة الصفر، أي المحاصصة الحزبية من جديدة.

ولكن حصول الكاظمي على الاجماع الشيعي، قطع الطريق على القوى السياسية الأخرى التي يمكن ان تفرض مطالبها وشروطها على المكلف بتشكيل الحكومة لأن القوى الشيعية تمتلك نصف عدد البرلمان العراقي وباستطاعتها تمرير الكاظمي حتى وإن لم تحضر القوى السياسية الأخرى خاصة تحالف القوى السنية والقوى الكردية جلسة تمريره من داخل قبة مجلس النوّاب.

ماذا يتطلّب من الكاظمي للنجاح؟

مهمة الكاظمي لن تكون يسيرة في ظل الركود والأزمة السياسية التي يعيشها العراق منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام في الأول من تشرين الأول /أكتوبر 2019، وما أعقبها من استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في كانون/ ديسمبر الماضي.

ولكن هنالك عدة نقاط يمكن أن يستثمرها الكاظمي لصالحه من أجل تشكيل حكومته عبر منحها ثقة البرلمان ومن بعدها النجاح في إدارة البلاد، أبرزها أنه يحظى بدعم الكتل الشيعية والأوساط السياسية والارتياح لسيرته ومواقفه الداعمة لتأسيس دولة مستقلة تحترم القانون وتحقق تطلعات العراقيين ومطالبهم بحسب ما عبر عن ذلك في “تغريدة” مقتضبة عبر تويتر فور تكليفه لرئاسة الحكومة.

كما أن هناك نقطة أخرى ربما تصب في صالح الرجل، حيث عرف عن الكاظمي، قربه من الأميركيين، قبل أن يعيد ترتيب علاقاته في الأسابيع الأخيرة مع إيران، العدو اللدود لواشنطن في العراق. ما يعني أنه ذاهب بما وعد به في خطاب التكليف سيستثمر العلاقة بين طهران وواشنطن لصالح العراق.

ويقول رئيس كتلة إرادة النيابية، النائب حسين عرب في لقاء على قناة (أم بي سي عراق)، أن المكلف مصطفى الكاظمي إذا ما أراد أن النجاح بمهمته عليه مراعاة قضيتين أساسيتين، أولى مفروضة عليه لا يمكن تجاوزها وهي أن القوى السياسية لن تتخلى عن مبدأ مرشحيها لشغل الوزارات والمناصب الحكومية الكبيرة في حكومته.

والأمر الآخر الذي يمكن أن يستثمره الكاظمي لصالحه، “الاعتماد على الجيل الجديد من السياسيين”. أو ما يعرف بالخط الثاني الذين بدأت تظهر لهم مواقف وأراء تخالف توجهات زعاماتهم السياسية وقادة كتلهم ما يعني يمكن أن يدفع بتشكيل تحالف نيابي شبابي داخل مجلس النواب يمثل لوبي للضغط على القوى السياسية داخل البرلمان التي يمكن أن تعرقل اصلاح العملية السياسية وتحاول الابقاء على مبدأ المحاصصة وتقاسم المناصب التي ابتلي بها العراق على مدار سبعة عشر عاماً مضت ولا زال العراق يُعانِي منها الأمَرَّيْنِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى