مقالات

جائحة كورونا…و وباء ترامب !

معتصم حمادة

زعماء وقادة عرب حملوا لنا وباء ترامب ولا خلاص منه إلا بالحجر المنزلي عليهم

لم يكفِ العالم وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لينفث وباءه السياسي في أرجاء الكون، مهدداً الجميع بالويل والثبور، معلناً رغبته الجامحة في إفراغ خزائن الدول النفطية العربية، والسطو عليها بقوة العربدة والضغط والوعيد، مهدداً أوروبا بتدمير اقتصادها إن هي ردت على إجراءاته الحمائية بإجراءات مماثلة، رافعاً شعاراً نازياً: «أميركا أولاً»، وقد اختصر في التطبيق العملي بـ «الرجل الأبيض أولاً»، لتصبح أميركا وطناً للبيض، وليست لكل مواطنيها.

لعل ترامب استلهم أفكاره الإرهابية من معلم الإرهاب المنظم في الشرق الأوسط، بنيامين نتنياهو. وجد فيه دالته الكبرى، وشريكه الأفضل لخوض معركة الإستيلاء على أموال الخليج، في إدارة لعبة «صفقة القرن»، بهدفيها المزدوجين: المال كله لترامب، بأساليب متعددة. فلسطين كلها لنتنياهو، عبر ما يسمى «رؤية ترامب للسلام». في الحالتين تكون الحرب على العرب والفلسطينيين، ويكون «السلام» لمشاريع الهيمنة والنهب والسطو والعربدة، والضم والإستعمار الإستيطاني، في لعبة أدارها الطرفان «ببراعة» المستعمرين البيض، ينظرون إلى الآخرين نظرة دونية، لا يرون فيهم سوى أدوات في مشروعهم الخاص: حكام الخليج أدوات في خدمة مشروع تأبيد الإحتلال الأميركي والغربي لدول الخليج، بذريعة حمايتها من «الخطر الإيراني»، وتأبيد الإحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، في الجولان، ومزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بإعتبارها حاجة أمنية إسرائيلية، وبدونها يتهدد الوجود الإسرائيلي في المنطقة.

وباء ترامب عمّ المنطقة العربية، ومنه انتقل إلى باقي مناطق الكون.

في العلاقات الدولية، لا يعترف ترامب بالمعايير الدولية المتوافق عليها في الأمم المتحدة. صوّب وباءه إلى المنظمة الدولية، بغرض نسف قراراتها وقوانينها ما دامت تشكل عائقاً أمام هيمنته على الكون. ابتدع لذلك ذرائع وحججاً وإدعاءات كثيرة، منها «مقاومة الإرهاب»، ومنها «صون حقوق الإنسان»، ومنها الإضرار بالمصالح الأميركية..

فرض «عقوباته» على سوريا، وهو لم يتوقف عن إدراج المزيد من أسماء رجال السياسة والمال والأعمال السوريين على لائحة «العقوبات».

فرض الحصار على كوبا، لا لشيء، سوى لأنها صاحبة تجربة اشتراكية ناجحة، وبنظام سياسي مستقر، فشلت كل مشاريع المخابرات الأميركية في إسقاطه، أو اغتيال قياداته. ولعل التجربة المرّة في خليج الخنازير مازالت وستبقى ماثلة في الذاكرة السوداء للبيت الأبيض.

إيران، أصبحت هي «الخطر» الماثل على المنطقة، وهي العدو الواجب بناء التحالف الإقليمي ضده. نسف الإتفاق النووي السلمي مع الأطراف الدولية، بمن فيها الولايات نفسها. وتحلل منه. عاد إلى سياسات الحصار والعقوبات الجائرة، في تعدٍ فظ على القوانين الدولية.

امتدت أنفاسه الوبائية إلى فنزويلا، حاول أن يستخرج من بين أفرادها بهلواناً سياسياً، اسمه غوايدو. حاول أن يجعل منه بديلاً للقيادة الشرعية متمثلة في الرئيس مادورو، الذي فشلت المخابرات الأميركية في اغتياله في محاولة لإستعادة التاريخ الأسود في صناعة الإنقلابات العسكرية، كان من أبرز ضحاياها الرئيس التشيلي ألليندي، وآخر ضحاياها الرئيس موراليس، الذي أكد أنه بدأ يعيد تنظيم صفوفه للعودة إلى بلاده، رغم أنف الإنقلابيين.

مع كوريا الديمقراطية فشلت إدارة ترامب أن تجر القيادة العليا للبلاد إلى كمائنها السياسية، عاد ترامب خائباً، يقضم أظافره غاضباً، لا سلاح أمامه سوى المزيد من «العقوبات» على بلد أعاد ترتيب أوضاعه على ضوء هذه «العقوبات» ففقدت جدواها.

لم يستثنِ نيكاراغوا من عقوباته. يصعب على الولايات المتحدة أن تقف في «حديقتها الخلفية» دولة متمردة على إرادتها، ترفض الإنصياع لها. تحافظ على تماسكها في وجه الحصار الأميركي المسمى «عقوبات».

حتى روسيا، بقيت في حسابات ترامب خصماً، بل عدواً رئيساً. يغيظه أنه استعاد وعيه، وبدأ يستعيد عافيته، ليحتل موقعه في المعادلات الدولية، إن على الصعيد العسكري، أو على الصعيد السياسي، في ظل قيادة سياسية وعسكرية أثبتت جدارتها، وبدأت تستعيد، بحيوية ملموسة، مواقعها في الحسابات الدولية والإقليمية.

للصين حسابات أخرى في خطط ترامب. هي، كما تؤكد التقارير الإستراتيجية الأميركية، «العدو» القادم في المقام الأول للولايات المتحدة. يتوجب تجنيد كل الطاقات لتعطيل نموها، ووقف تقدمها.

السلاح المعتاد، هو «العقوبات الإقتصادية» في مواجهة الصناعات والإختراعات الصينية التي تتقدم خطوات ملموسة إلى الأمام. هيمنت على العلاقات، بين البلدين، أجواء حرب أكثر من باردة، لم يستبعد البعض، في ظل هيجان ترامب غير المنضبط أن تتحول إلى حرب ساخنة ودموية.

جاءت جائحة كورونا، لتشكل مفصلاً في العلاقة. لم تستبعد التحاليل السياسية إمكانية المؤامرة الأميركية على الصين لضرب بنيتها البشرية. ولما استبعدت فكرة المؤامرة، وتبين أن الجائحة لها مصدر آخر، وجد ترامب في الأمر فرصة لاتهام الصين بأنها هي مصدر الوباء القاتل.

عندما وصل الوباء إلى الولايات المتحدة، بدأ ترامب يستعمل توصيفاته الخاصة، أطلق على الوباء، الجائر اسم «الفيروس الصيني» موقف يحمل في طياته مشاعر عدوانية ذات جذور عرقية، وفاشية بلا حدود.

مشكلة ترامب مع «الفيروس الصيني» – كما يدعوه – أن خبراء الولايات المتحدة أكدوا، بما لا يدعو للشك، أن وباء كورونا ظهر باكراً في الولايات المتحدة منذ العام الماضي، وأن المصادر الطبية والإستخباراتية أنذرت الإدارة المركزية في واشنطن. بخطورة ما هو قادم. ودعت لإجراءات احترازية، كالإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الآن، خاصة ولاية نيويورك. تؤكد التقارير أن ترامب رفض الإستماع إلى هذه التقارير. تجاهلها لأن من شأنها أن ترغمه على إجراءات تتعارض مع رؤيته «البيضاء» «أميركا أولاً» ومع سياساته العنصرية، القائمة على عدم تقديم خدمات مجانية (أي ضمانات إجتماعية وصحية) للمواطنين. عليك أن تدفع لتتلقى العلاج. المال هو كل شيء. والإنسان لا شيء.

ترامب يحمي نفسه بالإدعاء أن مصدر الوباء هو الصين، أطلق عليه اسم «الفيروس الصيني». لكن ترامب يصطدم بمنظمة الصحة العالمية التي ترفض مجاراته.

تحولت المنظمة إلى خصمه الرئيس، فلجأ إلى سلاحه الفعال. المال. أوقف التزامات بلاده المالية نحو المنظمة الدولية وهي في قلب المعركة ضد الجائحة، دون أن يقيم وزنا لما سيحدثه هذا من إختلالات كبرى في إدارة المعركة الإنسانية الكبرى.

يمكن أن نضيف منظمة الصحة العالمية إلى الدول الثماني التي «يعاقبها» ترامب بالحصار المالي.

العالم في مواجهة جائحة كورونا ووباء ترامب.

عالمنا العربي يتصدى للجائحة بإمكانياته، والكل يؤكد أنه سينتصر عليها.

أما «وباء ترامب». فقد حمله إلى المنطقة قادة وزعماء يتربعون على عروشهم.

لا نعتقد أن بالإمكان الخلاص من «وباء ترامب»، وإجتثاثه إلا بفرض «الحجر المنزلي»، وإلى الأبد، على هؤلاء القادة والزعماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى