تقارير وتحقيقات

جائحة كورونا تجبر عراقيين على بيع ممتلكاتهم!

يعيد كورونا العراقيين إلى مرحلة بيع الحاجيات الشخصية وأثاث المنازل للحصول على الطعام، هذه المرحلة القاسية يعودون إليها كلما ظنّوا أنّهم غادروها، وهذه المرة بسبب وباء، وليست ظروفاً أمنية أو اقتصادية في البلاد.عاد قسم كبير من العراقيين، بسبب فيروس كورونا الجديد، لاختبار أزمات معيشية كالتي تسبب بها حصار التسعينيات، والانهيار الأمني (2006- 2009). فقد اضطر كثيرون للتوقف عن العمل في تلك الأيام حفاظاً على حياتهم، فيما عائلات أخرى قتل معيلوها فكان بيع أثاث المنزل والأغراض الشخصية الملاذ لكسب الطعام. كذلك، أجبر النزوح الذي عانى منه الملايين نتيجة سيطرة تنظيم “داعش” الارهابي على مناطق واسعة في العراق وما تلى ذلك من حرب للقضاء عليه (2014 -2017)، عدداً كبيراً من العائلات على بيع أغراضها لتوفير الطعام.فيروس كورونا الجديد بدوره يجبر عراقيين على بيع ما يمكنهم بيعه من أجل توفير ما يحتاجونه لاستمرار الحياة، إذ كان حظر التجول ومنع ممارسة العديد من المهن ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات المحلية لمواجهة كورونا، عاملاً أساسياً في وقف الدخل الذي تعتمد عليه غالبية الأسر الفقيرة في البلاد.يقول عراقيون يعملون بالأجرة اليومية، بما يفي بالحد الأدنى من متطلبات معيشة أسرهم، إنّهم لم يعودوا يتحصلون على أجورهم تلك لتوقفهم عن العمل، فكان الحلّ بالنسبة لهم بيع بعض ممتلكاتهم. من هؤلاء باسم حمادي، الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، ويعمل حمالاً في سوق الشورجة بالعاصمة بغداد، أكبر أسواق العراق التجارية. حمادي، الأربعيني، يقول دخله من عمله في السوق كان يساعده في توفير معيشة أسرته، لكنّ الأسواق تعطلت بالكامل الآن.قريب حمادي، ثامر عودة، يعمل هو الآخر حمالاً في سوق الشورجة، ويعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، وكونهما يعملان في السوق نفسه منذ أكثر من عشر سنوات، فقد كونا علاقات واسعة مع محال تجارية تمكّنهما من العمل مع أيّ منها في حال خسرا عملهما في أحدها، وهذا ما كان يطمئنهما من عدم خسارة العمل واستمرار توفيرهما الدخل الذي يمكّنهما من توفير ما تحتاجه أسرتاهما، بعكس ما هو حاصل اليوم.يقول “لم نكن نعتقد في يوم ما أن يتوقف عمل السوق بالكامل، فقد كنا نتعامل مع عشرات المحال التجارية”. يتابع: “بدأنا نبيع أغراضاً خاصة لكي نحصل على المال. باعت زوجتي خاتمها لتوفر حاجات أسرتنا لخمسة أيام وبعدها ستبيع سواراً ذهبياً تعتز به، وهذا كلّ ما تملكه من مصاغ ذهبي، وبعدها لا أعلم ربما نبدأ ببيع أثاث المنزل شيئاً فشيئاً”. أما حمادي فيقول إنّه باع مكيفاً للهواء، وإنّ زوجته استعدت لتبيع ما تملك من مصاغ.تستمر في الوقت نفسه حملات التبرع التي يقودها مواطنون لتُعطى للمحتاجين الذين توقفت أعمالهم بسبب حظر التجول وتوقف المهن، لكن بحسب الناشط الإغاثي، عماد الجميلي، فإنّ “أعداد من توقفوا عن العمل كبيرة جداً، وهؤلاء في حاجة إلى تموين غذائي مستمر”.ويضيف الجميلي، وفقاً للتقرير، أنّ “الأمر لا يقتصر على الحاجة للغذاء بل هناك احتياج لنفقات أخرى تضطر لها الأسر مثل أجور مولد الكهرباء وتكاليف علاج لكبار السن والمرضى والأطفال وغيرها. وهو ما يضطر البعض إلى أن يبيع شيئاً من ممتلكاته لكي يحصل على المال اللازم”. وما يثير الدهشة بحسب الجميلي، هو أنّ مواطنين نزحوا من مناطقهم بسبب سيطرة “داعش” عليها سابقاً، اضطروا لبيع ما يملكونه من مصاغ ذهبي لتوفير المعيشة، واليوم وهم داخل مناطقهم التي عادوا إليها بعد هزيمة “داعش” مرة أخرى يضطرون لبيع ما بقي لديهم لتوفير حاجيات المعيشة الأساسية.وعلى الرغم من أنّ كثيرين يتوجهون إلى بيع شيء من ما يملكونه من أغراض من أجل الحصول على المال، فالصعوبة تكمن في عدم وجود مشترين بسبب إغلاق الأسواق.يقول نمير مرشد، الذي يعمل في بيع وشراء المواد المنزلية المستعملة، إنّ شراءه المواد المستعملة ازداد خلال الأيام الماضية، لكنّ كلّ هذا العمل يجري داخل منزله. يقول مرشد الذي يسكن في أطراف بغداد الشمالية، إنّه معروف داخل الحيّ، ويملك محلاً كبيرة يزاول فيه عمله ببيع وشراء المواد المنزلية المستعملة، لكنّه أغلق حالياً بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا الجديد.يضيف: “بدأ الناس يأتون إلى منزلي ويعرضون عليّ شراء مواد مختلفة منها أجهزة كهربائية ومستلزمات منزلية مختلفة. يبيع الناس أغراضهم المستعملة في الغالب من أجل تجديد أثاث المنزل، لكنّ ما يحصل اليوم اضطراري، هدفه الحصول على المال بعد توقف الأشغال”.تستعيد نورس صبيح ذكريات قديمة، فقد لجأت أسرتها لبيع ما تمتلكه تدريجياً للحصول على المال، في تسعينيات القرن الماضي، حتى تحول المنزل الفاره المليء بالأثاث إلى شبه فارغ. وباتت الأسرة تنام على الأرض مكتفية بفرش بسيطة، إذ تسبب الحصار الاقتصادي بتدني المداخيل، مقارنة بالأسعار المرتفعة، وفقدان عدد كبير من العراقيين أعمالهم.تشير نورس ، إلى خوفها من العودة لعيش الوضع نفسه اليوم، بعدما باتت أماً لطفلين، إذ تقول “يبدو كأننا نسير داخل دائرة مغلقة فكلما وصلنا إلى الأعلى رجعنا مرة أخرى إلى الأسفل. ما أشبه اليوم بالبارحة لكن باختلاف الأسباب. لقد توقف عمل زوجي الذي أنشأ مطعماً صغيراً كلفه كلّ ما يملك من مال، ولم يمضِ سوى شهر حتى أغلق بسبب جائحة كورونا”.تتابع: “بدأت في بيع مصاغي. كان هذا أيضاً أول ما فعلته أمي في أيام الحصار حتى باعت أسرتي لاحقاً كلّ ما نملك. أتمنى ألاّ نضطر هذه المرة أيضاً لبيع كلّ ما نملك”.انتهى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى